إعداد/ اـ ن
زال النظام البائد في سوريا، والنظام الجديد يقوم في بناء دولة جديدة، وما حدث في مدن الساحل السوري بتاريخ 6-7-8- 9\3\2025، من ممارسات فظيعة عملت على تخريب الفترة الانتقالية التي تمر فيها سوريا التي لم تتعاف بعد، وبالكاد بدأت النهوض، وان سياسات الإدارة الجديدة الخاطئة زادت من عدم التعافي وأعاقت النهوض، وخلقت مشكلة كبرى للسوريين مع تلك السياسات، يتكثف نقدها في أنها استئثارية، وتفرد بالحكم، وتجاهل الأسس الوطنية في بناء الجيش وتسيير شؤون الدولة وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وغلب عليها الطابع الإسلامي السلفي، وليس المدني، ورفض إشراك بقية السوريين.
في البداية نقول لقد حدثت الجرائم في الساحل السوري، لأنه لم تفرض سياسات وطنية سلمية بشكل كامل ودقيق على الفصائل المنضوية ضمنها، لقد حدثت انتهاكات وجرائم حرب واسعة في مدن الساحل، حدث قتل على الهوية الطائفية العلوية، اعداد كبيرة، ولم تتكشف الأعداد النهائية والحقيقية، وحدثت سرقات وعمليات نهب وإهانات طائفية وإذلال طائفي، وأُجبر بعض الناس على تقليد أصوات الحيوانات.
كان السائد لدى النظام الساقط غياب الفصل بين السلطات وسيطرة الأجهزة الأمنية على الدولة وغياب الحريات، وقادت تلك الممارسات إلى عزل السلطة السورية وإدانتها عربيا ودوليا، وفي النهاية هروب رأس النظام، يجمع معظم القوى السياسية والمثقفون والحقوقيون والقانونيون السوريون على ضرورة تطبيق العدالة الانتقالية، والتأخير فيها سيؤدي إلى العدالة الانتقامية، وما جرى في الساحل من جرائم وقتل طائفي، إنما بسبب هذا التأخير في تطبيق العدالة، رغم ان التأخر في العديد من المسائل يبقي كامل السلطات بيد الإدارة الحالية التي أصبحت سياساتها محط انتقادات واسعة داخليا وخارجيا، وبدأت بالتشدد بعد المجازر التي حدثت في الساحل، مما سيعرض سورية لمختلف أشكال التفكك والانقسام، بل الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية، لقد بينت الجرائم في الساحل التفكك المجتمعي الصادم الذي بين مدى هشاشة ونفاذية التماسك الاجتماعي المخادع والكاذب، ان حجم الجرائم ونوعيتها خلق تخوفات كثيرة عند معظم السوريين، واكد لهم أن المستقبل سيكون كالماضي، وأن سورية ذاهبة الى نظام استبدادي جديد.
الخطاب الرسمي السوري أشار إلى كثير مما جرى، الا انه لم يحدد بدقة من ارتكب المجازر والانتهاكات، حيث من الواجب ان يتم احالتهم للمثول امام القضاء لمحاسبتهم، رغم انه هناك سوابق كثيرة في الانتهاكات والقتل، ولم يحال مرتكبوها الى القضاء او الى محكمة، ولهذا، أولى الخطوات للثقة بالدولة الجديدة هي المحاسبة، والرفض الحاسم للانتهاكات، والبدء بتطبيق إجراءات العدالة الانتقالية، المؤجلة.
تمر سوريا في مرحلة انتقالية، ولم يتشكل الجيش بشكل وطني ومهني واحترافي، فالذين كلفوا مسؤولية ذلك ليسوا عسكريين، هم من قادة الفصائل الذين قاتلوا النظام، فقد حدثت تلك الجرائم، ولم يتم فرض سياسات سلمية ووطنية بشكل كامل ودقيق على الفصائل المنضوية ضمن الجيش وجهاز الأمن العام. هناك فصائل ومجموعات قامت بانتهاكات، وكثير من انتهاكاتها موثقة ومنشورة، وبدأت التقارير الحقوقية الأممية بنشرها، ومن هنا ضرورة المحاسبة والمحاكمة للجناة، وكل تأخير سيدفع البشر الى الابتعاد من الإدارة الجديدة، ويفتح الباب واسعا لفشلها، لا تحتمل سورية تجاهل كثير من النقد السابق للإدارة، فالأزمات تتراكم وتتعقد وقد تنفجر، وانفجار بعضها في الساحل قد يكون إنذارا للإدارة بأن هناك ما هو أسوأ، فالأزمة المعيشية التي تتفاقم يوميا، إضافة الى تأخر إصلاح الكهرباء والمياه وتعثر النهوض بالاقتصاد والتعطيل المستمر لمؤسسات الدولة.