حماة/ جمانة الخالد
تقع قرية الشيخ هلال على أطراف البادية في ريف حماة، وسط سوريا، وهناك تشمخ قرية طينية بمظهر بهي تزينها قباب بنية اللون، ويرخي الطين بكل ثقله على الأرض المقفرة، التي بلا حياة بعد طال المكان أعتى أشكال الحروب، وعلى الرغم من ذلك ظلت صامدة على نوائب الصراع الدائر، وبقية قبابها رافعة الرأس، ولم تطأطئ لعاتيات الزمن.
وتقدم قرية الشيخ هلال نموذجاً مهمّاً من تطوّر العمارة الطينية في سوريا الوسطى، وتبرهن على أن آثار الحضارات المادية القديمة ماتزال حيةً، تضم عدد كبير من الآثار الرومانية، وإلى الشرق من وسط القرية توجد قلعة أثرية رومانية وهناك أبرشية تحت الأرض مرصوفة بقطع الفسيفساء، أما تاريخ بناء القرية الجديدة فيعود لعام.
ويتكون النسيج العمراني في الشيخ هلال من مجموعات من المنازل التي تضمّ غرفاً مستوية الأسطح، أو مخروطية، أو مقببة، وكلها مبنيٌّ من اللبن (الطوب) المصنوع من التراب والقش، تتوزع هذه المنازل بحسب مخطط شطرنجي، يتبع إلى حدٍّ ما معالم البلدة الأثرية المندثرة، أما الغرف أو القبب (مفردها قبَّة) التي يتألّف منها البيت، فهي تتوزع.
وتدلّ الأكمات الترابية المكونة من ركام المنازل القديمة شرق القرية، والبقايا الأثرية المنتشرة هنا وهناك، بالإضافة إلى التلّ الأثري أو “القلعة” كما يسميه الأهالي، على ماضي القرية العريق.
وتقع قرية الشيخ هلال التابعة لمحافظة حماة، على سيف البادية (السهوب) على مسافة 55 كم شمال شرق مدينة سلمية، وتجاور طريق الرقة الهام الذي يربط سوريا الوسطى بمنطقة الفرات والجزيرة السورية.
وتتربع القرية في منطقة شبه جافة، على خط الأمطار 200 مم الذي يشكل الحد الغربي للبادية تاريخياً، تجثم القرية على أطلال بلدة بيزنطية ظلت مزدهرة حتى القرن التاسع الميلادي.
تمتاز هذه المنازل باتساعها واحتوائها على بئر وحديقة منزلية، أو فضاءات مسوّرة لتربية الأغنام أو الدواجن، ويعتمد نشاط سكان القرية الاقتصادي على الزراعة البعلية ولاسيما الشعير، بالإضافة إلى بعض الزراعات المروية بالمياه الجوفية السطحية التي كان لها دور بارز في إعمار هذا الموقع منذ القدم.
ويعتمد السكان أيضا في حياتهم الاقتصادية على تربية المواشي، والأغنام، بشكل محدود لتأمين الاحتياجات المنزلية.
وتحولت قرية الطين قبل نشوب الحرب إلى قرية سياحية، وشهدت قفزة نوعية جعلتها ذائعة الصيت لدى الدول الأوروبية، حتى إن جمعيات ومراكز محلية ودولية شاركت بمسعى منها لنشر تجربة يطلق عليها “السياحة التضامنية” وبمشروع رائد، يعد الأول من نوعه في سوريا، ويهدف إلى توفير الإقامة للسائحين الأجانب مع السكان المحليين للقرية، والعيش معهم لأيام بكل تفاصيل حياتهم من مأكل ومشرب.
نالت فكرة السياحة التضامنية كثيراً من التشجيع، لكن والمشروع الذي لم يكتب له الاستمرار بسبب أحداث عام 2011 أثبت حضوره، وأثرت تجربته إلى تطور فكري في حياة القطاع السياحي، مما دفع لوصول وفود سياحية من دون انقطاع.
وكان قرار صدر في عام 1995 بجعل منطقة البادية (منطقة استقرار خامسة) بمنع الزراعة بالبادية، ما عمل على تصاعد حركة النزوح، وانخفاض عدد السكان للنصف، حيث بقي 700 شخص فقط من أصل 1500 من تعداد القاطنين، وحينها دعمت وكالة التنمية السويسرية والجمعية الكاثوليكية لمكافحة الفقر والتنمية الفرنسية هذه التجربة ورعتها.
لقد عاشت القرية حينها تجربة فريدة بتوفير الإقامة للسياح بأماكن غير تقليدية مبتعدين عن الفنادق الفخمة، لقد بلغت هذه السياحة ذروتها بين عامي 2009 و2013 وما زالت متوقفة إلى اليوم، لكن اللافت أن السياحة الداخلية إلى هذه القرية ما زالت مستمرة.
ويعتمد قلة من الناس على آبار الماء الغائرة عبر حفرها مجدداً لإنعاش الأرض، لكن الأمر لا يكفي، فبعد استقرار تعيشه اليوم تحاول القرية نفض أسقفها المخروطية وجدرانها دائرية الشكل غبار الحرب عنها لتبقى تعانق ذرات الصحراء.
وتمتاز قباب الطوب بأنها باردة صيفاً، ودافئة شتاء ويبلغ عددها في القرية ما يقارب 400 قبة، بقي منها 100 فقط، واليوم تستغل 12 قبة عادة للعمل من جديد، ويعتمد إنشاؤها على القرميد الناشف، بعد تعرض الطين للتخمير وإضافة الملح والتبن له.