لكل السوريين

زوبعة الفاشية التركية

ربما نحن الشعب السوري لم نكن على دراية كافية بالمكائد والألاعيب العثمانية ووارثيها من الحكام الأتراك ضمن وريثتها الدولة التركية. فالدولة التركية الحديثة تأسست على التراث العثماني الواسع المعتمد على العنف اللامحدود والمكائد نحو العدو والصديق وحتى في داخل السلطة، وهذا ما يردده الشعب التركي بذاته في مقولة : “ألاعيب العثمانيين لاتنتهي”.

تقرب مؤسس الدولة التركية من ستالين حتى قضى على كل حركات تحرر الشعوب ضمن تركيا، ثم تقربت تركيا من ألمانيا سراً عندما كان هتلر يحقق توسعه وانتصاراته، وعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها حاول اللحاق بالمنتصر ولكن الشكوك كانت لدى الغرب كبيرة، فأرسلت تركيا جنودها إلى الحرب الكورية إلى جانب الناتو ثمناً للإنضمام إليه، أي دفعت دماء عشرات الآلاف (أغلبهم من الكرد ذهبوا للجهاد المقدس ضد الشيوعية) . ومنذ عام 1952 تستخدم الناتو وإمكانياته للتنمر على جميع مكونات ودول الشرق الأوسط، بما فيها المعارضة الداخلية والكرد بشكل خاص، ولا زالت.

يمكن ممارسة المكائد والحيل في الأزمات أي الصيد في الماء العكر، والذهنية العثمانية ماهرة في ذلك، وإذا لم تتوفر لها المياه العكرة فهي تخلقها بمهاراتها ووسائلها بهدف الوصول إلى صيدها وتحقيق أهدافها. فعندما تقربت من ستالين لبست لباس حركة تحرر في مواجهة الإمبريالية، وفي الوقت نفسه قامت بإغراق كل قيادة الحزب الشيوعي التركي في البحر الأسود، وعندما تقربت من هتلر إضطرت دول الحلفاء إلى إرسال جيوشها إلى تركيا لردعها، وبعد الحرب فتحت كل أبوابها أمام أميريكا وضحت بدماء عشرات الآلاف من أبنائها في حروب بعيدة عنها. كانت أول المعترفين بإسرائيل وبؤرة لكل جواسيس إسرائيل لدى العرب، وتاجرت بالقضية الفلسطينية أكثر من العرب ذاتهم.

منذ أن خططت قوى الهيمنة العالمية لتنفيذ مشروعها في بناء الشرق الأوسط الجديد علمت تركيا أن الفرصة باتت متوفرة لديها لتحقيق أطماعها التوسعية من خلال الصيد في الماء العكر مرة أخرى، وعندما تحدثت تلك القوى عن “الفوضى البناءة” قالت تركيا نحن لها، وأفلحت في أن تجعل من نفسها رأس الحربة في مشروع تغيير الشرق الأوسط. وعندما جاء دور سوريا كانت تركيا هي مركز تنفيذ المخطط، ليس لصالح مشروع قوى الهيمنة وإنما لتحقيق أطماعها التاريخية، وعندما وجد الناتو هذا الواقع حدث شرخ بينهما في موضوع محاربة الإرهاب الذي صنعته تركيا، فارتمت تركيا في حضن الروس، ولا زالت تلعب على الحبلين. ولكن يبدو أن سقوطها سيكون مدوياً.

منذ صدور القرار الأممي الداعي إلى الحل السياسي في سوريا وتركيا هي المعيق الرئيسي أمام تنفيذه، فهي تقول : “إما أن يحقق أطماعي أو لاحل”. فما هي أطماعها ؟ إلحاق الشمال السوري بتركيا مثلما فعلت في الإسكندرونة في نطاق الميثاق الميلي الذي يمتد إلى كركوك والموصل، والقادة الأتراك يعبرون عن ذلك بصراحة في مناسبات مختلفة كما فعل أردوغان في الأمم المتحدة، ولكن هذه المناطق يجب أن تكون خالية من أبناء الشعب الكردي، لأن الكرد في شمال كردستان يسببون لها صداعاً مزمناً، والذهنية التركية تقول ” الكردي الجيد هو الكردي الميت”!!! ولهذا تقوم بإجراء التغيير الديموغرافي الذي يلائمها، أي خلق حزام أسود على طول حدودها من مخلفات داعش والنصرة وهيئة تحرير الشام التي تضم عشرات الفصائل من مشتقات القاعدة.

دول الناتو أدركت هذه اللعبة وأنها تتناقض مع مشاريعها في الشرق الأوسط، ولهذا لجأت الدولة التركية إلى سياسة الإبتزاز كما فعلت دائماً ونجحت فيها إلى درجة ما. ولكونها خبيرة في ذلك تمارسها في الحرب الروسية الأوكرانية بمهارة حتى الآن، فهي مع الناتو إلى جانب أوكرانيا وتزويدها بالسلاح، وتتنصل من القرارات الصادرة من الناتو بحصار الروس، وتستقبل الرأسمال الروسي الهارب من عقوبات الغرب. وعندما أرادت كل من فنلندا والسويد الإنضمام إلى الناتو اعترضت تركيا كونها عضوا في الحلف وأي إنضمام يتطلب موافقة جميع الأعضاء. وتحاول إبتزازها بفرض شروط على الدولتين تتعارض مع القيم والقوانين والدساتير التي تشكل ركيزة تلك الدول، أي تريد منها التخلي عن مبادئها وتتحول إلى تركيا التي تحارب كل المبادئ والحقوق الإنسانية.

المطلوب منا نحن المكونات السورية إدراك الألاعيب والمكائد التركية التي تستهدفنا أولاً، ثم نتخذ تدابيرنا الكفيلة بالتصدي لتلك المكائد. وذلك ممكن بتعزيز وتقوية العوامل التي جعلت منا قوة قادرة على التصدي للإرهاب الذي خلقته تركيا ودعمته وساندته ولا زالت، في سبيل القضاء علينا وإنهائنا وتنفيذ أطماعها. وهذه العوامل هي تنظيم صفوف الشعب وتلاحمه في مشروع أخوة الشعوب، وتعزيز قواتنا المشتركة للدفاع المشروع المتمثلة قي قوات سوريا الديموقراطية التي تصدت للإحتلال التركي وأدواته حتى الآن، وسد الفراغات الموجودة في مجتمعنا أمام شراء الذمم وإنجرار شبابنا إلى مكائد العدو وأخيراً تنشيط العمل الديبلوماسي والسياسي مع القوى المهتمة بالشأن السوري لفضح السياسات التركية الخبيثة.