لكل السوريين

عن حرية المرأة

عبد الكريم البليخ

هناك الكثيرون ما زالوا يدعون أنه لمجرد إعطاء المرأة حريتها ودورها في المجتمع هذا يعني تجردها من أخلاقها وطهارتها، وهذا خطأ كبير يقع فيه عامة الناس.. لا سيما أنَّ الغالبية منهم لم يعد يُفرّق بعد بين المرأة الملتزمة، والمرأة التي خرجت عن مفاهيم وقيم وقواعد ثابتة.

الحرية ضرورة لا بد منها للمرأة في اختيارها لأغراضها الخاصة، وفي كيفية تحقيق زياراتها إلى صديقة ما، وفي حديثها إلى زوجها، وفي الإدلاء بحديث في موضوع يخصها في العمل إلى زميل أو زميلة. أليس من حقها الإفصاح عن رأيها بدون حواجز أو قيود.. أم أن الرجل وحده هو من يقرر عنها وعلى المرأة الطاعة والتنفيذ، والتزامها الصمت بعيداً عن أي خطوة إيجابية تظهر فيها رأيها صراحة، ولو لا هذه المرأة لما عَمرت البيوت واستمرت الحياة.

افسحوا للمرأة دورها في الحياة، وخاصة بالنسبة للأشخاص الذين ما زالوا، وللأسف، يتمتعون بعقول خشبية متحجّرة تحتاج إلى توعية وإدراك شامل بدلاً من التزمّت الأعمى الذي يمقته الجميع ويدفعون به بعيداً، ويتمسكون بآرائهم غير المقبولة.

حرية المرأة، يعني نيلها كرامتها ومعرفة حدودها ومتى يمكن لها الوقوف عندها، والحفاظ على كيانها أكثر، بعيداً عن التشكيك بها.. وهذا لا يعني وقوعها في بئر الخيانة، كما يرى ويتصور ذلك كثير من الجاهلين، الذين يكرهون المرأة، لا سيما أنّ أغلب هؤلاء الجاهلون من المتزمّتين الذين طالما ينادون بتقييد حريتها، وطمس دورها!

هؤلاء الذين يصرخون، وبأعلى صوت حيال المرأة، ويسعون في إلغاء حضورها ومكانتها، ويكرهون وجودها، ولمجرد ذكر اسمها. هم من وقع في المفسدة وعرف طريقها، وممن يحتاجون إلى إصلاح وتقويم، ولهذا تراهم يجحدون دورها في المجتمع في الوقت الذي لعبت فيه المرأة دوراً كبيراً في حياة الأسرة والمجتمع لا يمكن أن ننكره!

إنَّ حرية المرأة صارت أمراً واقعاً ولا يمكن بحال طمسه، وليس معنى اعطاء المرأة حريتها هو أن تقوم بفعل ما تريد، بل أن منحها لحريتها هذا يعني أنها ستكون أكثر حرصاً على أفعالها، وتقويمها، ومراقبة تصرفاتها وكل خطو تخطوها، والوقوف عند كل ما يسيء لها من أفعال شاذّة يراها قاصروا النظر أنها يمكن أن تخلّ بكرامتها وبكينونتها وبمكانتها الاجتماعية، وتجاوزها للخطوط الحمراء، كما يظن البعض الذين يقفون اليوم موقفاً متشدّداً وعدائياً حيال كل ما يبدر منها متناسين أمثال هؤلاء أن المرأة التي يعنونها هي الأم والأخت  والزوجة وغير ذلك، وبدون المرأة التي ينادون بالخلاص منها والترحّم عليها وبترها من ذاكرتهم فإنهم لا يعنون شيئاً لا سيما أنَّ المرأة وجدت إلى جانب الرجل، في البيت، في المعمل وفي الحقل وفي الحرب، وفي الدفاع عن المقدسات، وفي معالجة الجرحى وخدمتهم، ولتكتمل دورة الحياة التي تعيشها معنا المرأة فلا بد من بصيص للحرية، وهذا ما يجعل ثقتها بنفسها قائمة، ويمكنها فعل المزيد في الحياة لا أن تظل منطوية على نفسها، خائفة مرعوبة من أي تصرف تحاول القيام به، وإن كان تافهاً..

إنَّ المرأة تلعب دوراً كبيراً في المجتمع، ما يعني حفظاً لكرامتها وبدونها فإن الحياة تظل رتيبة بلا معنى.. فالمرأة يبقى لها كينونتها التي لا يمكن بحال العيش بدونها أكان ذلك بالنسبة للأسرة، أم للأولاد والزوج، فهي ضلع مكمّل للرجل. إنها العمود الأساس وبدونه لا يمكن أن تكتمل قواعده.

وعندما ننادي بحرية المرأة، ضمن الأصول العامّة المتبعة، هذا لا يعني أننا ندرجها ضمن إطار يُلغي شخصيتها ومكانتها وعفويتها وبساطتها وإلغاء دورها في المجتمع، والأسرة بصورة خاصة، فمتى أعطيت المرأة كامل حريتها أدركت بالتأكيد مسؤولياتها الجسام تجاه تصرفاتها وهذا ما يعني ضرورة منحها حريتها وثقتها بنفسها، وهذه الحرية التي نقصد بها يفهمها البعض وللأسف، على أنها تتجاوز حدود العقل والمنطق، وهذا خطأ كبير لا يمكن تجاوزه مهما كانت المبررات.

حرية المرأة يعني منحها ثقتها بنفسها، يعني أنها قادرة على تجاوز ما يمكن أن يعيق الكثير من المشاكل التي تقف حجر عثرة في طريقها. يجب أن نعرف أن مفهوم الحرية بالنسبة للمرأة أبعد بكثير مما نفكر فيه، فهي تحتل مكانة كبيرة في تفكيرنا وفي ضمائرنا وبمجرد حاولنا مصادرة هذا البصيص من الأمل الذي تشاد عليه قواعد البناء السليمة فإنها ستكرّس لواقع من غير المحبب الخروج منه ببساطة.

الحرية هي الثقة بالنفس، وبالتالي يمكن معها أن تحسن التصرف تجاه الآخر مهما علا شأنه، وحصولها على حقوقها المهضومة سواء من قبل الرجل أو غيره الذي تجاوز البعض منهم كل الأعراف والقيم ارضاء لرغباته وإلزامها بتنفيذ متطلباته وإن كانت في غير محلها. الخضوع لطاعة الرجل ـ الزوج في غير رضاها وفي غير قناعة وهذا ما يعني إحباط دورها وفرملة تقدمها ونجاحها في المجتمع. أي خضوعها لكيان الرجل واشتراطاته وتعليماته وأفكاره المحبطة!

هناك بعض الرجال ما زالوا بحاجة إلى المزيد من خلطات التوعية في الحياة، وهناك من يعامل المرأة المعاملة الحسنة، وهم قلة. هؤلاء القلة يُصنّفون على أنهم يخضعون للمرأة لأنهم يعرفون تماماً ماذا تعني الحرية بالنسبة لها، وهذا ما جعل هناك بون شاسع بين الزوج ـ الرجل المتفهم الواعي من ذاك الذي ما زال متشبثاً بأفكاره التي لا تمت للواقع بصلة!.

فالحرية مطلوبة للمرأة، ومن خلال حصولها على أبسط مقوماتها هذا يعني أنها ستتنفس الصعداء وتنطلق نحو حياة جديدة قوامها زرع المحبّة والتفاني، وتذوقها آفاق جديدة من الراحة والاستجمام، وإشراقة يمكن معها خلق أنموذج آخر من السعادة التي يمكن أن تتيح لها بارقة أمل في رحاب حياة جديدة قوامها الأمان والثقة بالنفس.