لكل السوريين

مسيرة الأعلام الإسرائيلية.. محاولة جديدة لتهويد القدس والأقصى

تقرير/ لطفي توفيق

اقتحمت قوات كبيرة للاحتلال الإسرائيلي مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، وحاصرت البلدة القديمة، وأطلقت قنابل الغاز على منازل الفلسطينيين مما أسفر عن إصابة العديدين منهم.

وتوافد الآلاف من القوميين اليهود إلى مركز المدينة في القدس الغربية، لأداء “رقصة الأعلام” في طريقهم إلى الحي الإسلامي في البلدة القديمة، بمشاركة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وسط انتشار مكثف للشرطة الإسرائيلية.

وكانت سلطات الاحتلال قد عززت إجراءاتها الأمنية والعسكرية في القدس المحتلة وشدد جنود الاحتلال الإجراءات على أبواب المسجد الأقصى المبارك ومنعوا الشبان من دخوله لأداء صلاة الفجر لحماية “مسيرة الأعلام” التي نظمتها جماعات يمينية متطرفة في ذكرى احتلال القدس الشرقية وفق التقويم العبري، وشهدت أزقة البلدة القديمة المؤدية إلى المسجد الأقصى استنفاراً أمنياً مكثفاً من قبل قوات الاحتلال.

كما اقتحمت قوات الاحتلال مناطق أخرى في الضفة الغربية مع ساعات الفجر الأولى، بينها بلدة بيت عور التحتا غرب رام الله، وقرية برقة شرق رام الله، وقرية بيت إمرين شمالي نابلس حيث اعتقلت أحد الشبان، وآخر في قرية مراح رياح في بيت لحم.

ونشرت سلطات الاحتلال الآلاف من عناصر الشرطة والأجهزة الأمنية لتأمين مسيرة الأعلام، ومنعت الفلسطينيين من الدخول إلى القدس الشرقية وأغلقت كافة المحالّ التجارية الفلسطينية في البلدة القديمة.

واتخذ جيش الاحتلال الإسرائيلي إجراءات أمنية مشددة على طول الحدود مع قطاع غزة ولبنان، ورفع حالة تأهب قواته إلى الدرجة القصوى، وعززها بمنظومة القبة الحديدية.

مشاركة رسمية واستفزازات

بدأت “مسيرة الأعلام” من القدس الغربية، ثم وصلت إلى منطقة باب العامود مروراً بمحيط البلدة القديمة وأزقة الحي الإسلامي، قبل أن تصل إلى حائط البراق، الذي يسميه اليهود “حائط المبكى”.

واعتدت الشرطة الإسرائيلية بالضرب على عدد من الفلسطينيين في باب العامود والبلدة القديمة، وأجبرتهم على مغادرة المنطقة، وفرقت بالقوة مجموعات رفعت الأعلام الفلسطينية بالقدس.

وبثت منصات إسرائيلية وفلسطينية مشاهد من اعتداء قوات الاحتلال والمستوطنين على المنازل والأهالي في القدس المحتلة، وترديد المستوطنين لهتافات عنصرية تدعو للقتل والانتقام وسحق الفلسطيني ومحو اسمه من الوجود.

ورفع مستوطنون خلال المسيرة علم عصاية “كاهانا” المحظورة إسرائيلياً ودولياً باعتبارها منظمة إرهابية.

وفي مدينة اللد، انطلقت مسيرة أخرى شارك فيها بضعة آلاف من المستوطنين يرفعون الأعلام الإسرائيلية لإحياء ذكرى استكمال احتلال القدس وتوحيدها وإعلانها عاصمة لإسرائيل.

وكان أبرز المشاركين فيها وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، ووزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، ووزير الطاقة يسرائيل كاتس، ورئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يوئيل إدلشتاين، إضافة إلى أعضاء من الكنيست عن الليكود والأحزاب الصهيونية المتشددة الأخرى.

مسيرة العار

وصفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية المسيرة بـ”مسيرة العار”، خاصة بعد مشاركة وزراء فيها.

وقالت الصحيفة “إن جوهر المسيرة الإمعان في وخز جروح سكان المدينة الفلسطينيين، لإذلالهم وإثبات أن القدس بشطريها هي عاصمة دولة إسرائيل”.

وأشارت إلى أن واقع هذه المسيرة يؤكد هشاشة السيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية، فهي تجري في ظل حراسة مشددة يؤمنها آلاف من ضباط وعناصر الشرطة، بعد أن فرضت قيوداً مشددة على الجمهور والتجار الفلسطينيين.

وأكدت الصحيفة أن المسيرة بما فيها من مظاهر العنصرية والكراهية والعنف تعكس بدقة شكل المجتمع الإسرائيلي اليوم، والمؤشر على الاتجاه السائد للأيديولوجية الدينية الصهيونية.

وقالت “في ظل الحكومة الحالية، لا أمل في تغيير مسار المسيرة أو أن تبذل القيادة اليمينية أي جهد لتهدئة الأمور”.

ويرى العديد من الإسرائيليين أن الاحتفال عمل استفزازي من قبل الجماعات القومية وحركات الاستيطان المتشددة، لا سيما مرورها من الحي الإسلامي.

وقام ناشطون من حركة “فري جيرزواليم” اليسارية الرافضة لمسيرة الأعلام، بسدّ شارع في القدس احتجاجاً عليها، فتصدّت لهم الشرطة الإسرائيلية واعتقلت العشرات منهم.

وقالت مؤسسة “عير عميم”، اليسارية الإسرائيلية إن “موكب الأعلام، هو عرض من التحريض والعنصرية والعنف”.

وذكرت المؤسسة التي يعني اسمها مدينة الشعوب، أن المسيرة ليست احتفالاً بحرية التعبير، بل هي احتفال بالتحريض والعنصرية والعنف وسحق حقوق السكان الفلسطينيين وأصحاب الأعمال على طول الطريق التي يمر بها”.

ولفتت إلى أنه تم توثيق عنف المشاركين بالمسيرة في لقطات مصورة تضمنت عنفاً لفظياً وهتافات مثل “الموت للعرب، والموت لليسار، وسيقام الهيكل، وستحرق قريتكم، ومحمد مات”.

وأضافت المؤسسة أن “التحريض والعنصرية يتجسدان في النقوش على القمصان، والنشرات الموزعة، والملصقات الملصقة في كل مكان”.

ولفتت إلى أن “المتاجر في الشارع تعرضت أكثر من مرة للتخريب خلال المسيرة، بما في ذلك وضع الغراء على أقفال المحلات، وإتلاف اللافتات، والمصابيح، وكتابة الشعارات البغيضة”.

تهويد القدس والأقصى

ضمن مساعي إسرائيل المستمرة لتهويد مدينة القدس وفرض واقع جديدة فيها، وقيام الجماعات التلمودية الصهيونية على تكريس ظاهرة “الصلاة الصامتة” في المسجد الأقصى المبارك، اعتبرت محكمة إسرائيلية بقرار غير مسبوق في شهر تشرين الأول عام 2021، أن “الصلاة الصامتة لليهود في المسجد الأقصى ليست عملاً إجرامياً”.

ورحب اليمين الإسرائيلي المتطرف بهذا القرار، وقال أحد قادته “نرحب بقرار المحكمة الذي يؤيد فعلياً ما كان يحدث بالفعل في الحرم القدسي خلال العام الماضي، وهو تصريح بحكم الأمر الواقع لليهود الذين يزورون الحرم القدسي ويريدون الصلاة فيه”.

وأضاف: “من غير المعقول أن يُمنع اليهود من الهمس بالصلوات في الحرم القدسي، بينما يمكن للمسلمين أن يفعلوا في الحرم القدسي ما يريدون من صلاة، وإلقاء محاضرات دينية، ولعب كرة القدم، وحتى الشغب!”.

واعتبر الفلسطينيون القرار الإسرائيلي انتهاكاً كبيراً للوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، ولتفاهمات عام 2015، التي اعتبر فيها وزير خارجية الولايات المتحدة السابق جون كيري، أن حق الصلاة في المسجد الأقصى هو للمسلمين فقط، وزعم في الوقت نفسه أن لليهود حق زيارة المسجد ولكن دون الصلاة فيه.

وكانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تدعي أنها تحافظ على “الوضع القائم” في المسجد الأقصى المبارك، مع إضافة ميزة خاصة بالاحتلال، وهي السماح للمستوطنين بدخوله، وهو أمر مرفوض بالأساس من قِبل الفلسطينيين، ولا يزال يثير الغضب والاحتقان لديهم.

صراع على السيادة

منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967، قامت إسرائيل بحملة محمومة لتهويدها من خلال الاستيطان وتغيير المعالم وأسماء الشوارع والاستيلاء على المنازل خاصة بالقدس القديمة ومحيطها، وهي الآن تكرس ذلك عن طريق “مسيرة الأعلام” لفرض سيادتها على القدس.

وفي هذا الصدد قال مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية “إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، تعتبر أن مسيرة الأعلام الاستفزازية هي مظهر من مظاهر ما تسميه توحيدها للقدس بشطريها وسيطرتها على القدس الشرقية”.

وأشار إلى “أن اليمين الإسرائيلي يدعي من خلال هذه المسيرة أنه صاحب البلد، وأن السلطات الإسرائيلية اعتادت أن تفرض على أصحاب المحال التجارية الفلسطينيين في المنطقة التي تمر من خلالها المسيرة إغلاق محالهم التي غالبا ما تتعرض لاعتداءات وتخريب من قبل المتطرفين أثناء المسيرة، ويتخلل المسيرة استفزازات وترديد الشعارات العنصرية والبغيضة والاعتداءات على السكان إضافة إلى إخلاء سكان القدس من منطقة باب العامود”.

وأكد أن الأمر بالنسبة للفلسطينيين، “مظهر من مظاهر انتهاك قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد على أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة عام 1967، وهي بالنسبة لنا مدينة محتلة وعاصمة للدولة الفلسطينية”.

وأشار إلى أن ما تقوم به إسرائيل القدس الشرقية من إجراءات، وتحويلها إلى ثكنة عسكرية في كل مناسبة إسرائيلية يثبت أن القدس الشرقية مدينة محتلة، وإلّا فما معنى نشر آلاف عناصر الشرطة لتأمين هذه المسيرات.

مسيرة الأعلام الإسرائيلية

يحتفل اليمين الإسرائيلي المتشدد بما يسمّيه “يوم توحيد القدس”، وهو اليوم الذي احتلت فيه إسرائيل الجزء الشرقي من القدس عام 1967، وأصبحت المدينة المقدسة بكاملها تحت السيطرة الإسرائيلية.

وقد بدأت احتفالات مسيرة “الأعلام الإسرائيلية” في العام 1974، ولكنها توقفت خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2016، بسبب المواجهات الشرسة التي كانت تندلع بين الصهاينة المتشددين المشاركين في المسيرة من جهة، والفلسطينيين الذين يعترضون المسيرة من جهة أخرى.

وتحولت المسيرة إلى عنوان رئيسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي حول السيادة على مدينة القدس الشرقية.

ويقول البرلمان الإسرائيلي في موقعه الإلكتروني “يأتي إلى هذا الحدث آلاف الأشخاص إلى القدس، معظمهم من الشباب من الحركة الدينية الصهيونية، ويقوم المحتفلون بمسيرة كبيرة مصحوبة بالغناء والرقص والتلويح بالعلم، تبدأ من وسط المدينة وتدخل البلدة القديمة، وتنتهي عند الحائط الغربي – حائط البراق- في صلاة شكر جماعية”.

وتطلق السلطات الإسرائيلية على هذا النشاط الاستفزازي اسم “مسيرة الأعلام” أو “رقصة العلم”، حيث يحمل آلاف المشاركين الأعلام الإسرائيلية ويرقصون عند باب العامود، أحد أبواب البلدة القديمة.

وتنطلق المسيرة من القدس الغربية، ولكن دخولها عبر البلدة القديمة للوصول إلى حائط البراق، أخذ على مدى السنوات الماضية عدة مسارات.

ومنذ سنوات، أضافت جمعيات يمينية إسرائيلية مساراً جديداً يمر من باب العامود، ثم من شارع الواد بالبلدة، وصولا الى حائط البراق.

وكثيرا ما كان يتخلل هذه المسيرة مواجهات بين الفلسطينيين من جهة، والمستوطنين والشرطة وقوات الأمن الإسرائيلية من جهة أخرى.

وقد بدأت مسيرة الأعلام فعلياً، في سبعينيات القرن الماضي، ولكنها لم تكن تمر من باب العامود، بل كانت تعبر باب الخليل الأقرب لأبواب القدس القديمة إلى القدس الغربية.

ومنذ سنوات، بدأت أعداد المشاركين بالمسيرة المارين من خلال باب العامود، تتزايد باستمرار.

ثم تمت إطالة هذا المسار لتمر المسيرة من باب الأسباط، أحد أبواب البلدة القديمة، ولكن الشرطة الإسرائيلية منعته بسبب تكرر المواجهات مع الفلسطينيين، فتم إلغاء هذا المسار نهائياً.