لكل السوريين

أيادي دمشقية؛ تستلهم التراث وتوكب الحاضر.. المجوهرات التقليدية تخطف بريق الذهب

دمشق/ روزا الأبيض

خلال عقود من الزمان ازدهرت وبشدة صناعة المجوهرات التقليدية؛ لتلبية احتياجات النساء، ممن يعجزنا عن اقتناء غرام واحد من الذهب الحقيقي. وخصوصا بعد العجز الاقتصادي في عموم سوريا حيث بلغ سعر الغرام الواحد من الذهب عيار 21 النصف مليون ل.س.

صحيفة السوري زارت إحدى الورشات التي اشتهرت منذ القدم بتصنيع المجوهرات التقليدية في العاصمة دمشق، لتسلط الضوء على هذه الحرفة المميزة، واسباب ازدهارها والتحديات التي تواجهاها، وسبب اسمرارها إلى يومنا هذا.

ماهر السلال حرفي وصاحب ورشة لتصنيع المجوهرات التقليدية، تحدث عن نشأة هذه الصناعة محلياً قائلاً: «مع نهاية ثمانينات القرن الماضي بدأت في سوريا صناعة المجوهرات التقليدية، وازدهرت طوال فترة التسعينيات، ومطلع القرن الحالي لأسباب، يأتي في مقدمتها عدم قدرة النساء على شراء الألماس والذهب بشكل عام لتدني القدرة الشرائية، ما دفعهن إلى تلبية احتياجاتهن من الحلي والمجوهرات التقليدية.

وهذا ما تؤكده السيدة “لينا بطحيش” فتقول: “تستهويني المجوهرات التقليدية، وخاصة الخواتم والحلق، ويمكن أن تلبي الغرض حيث أستخدمها بالمناسبات أو في الأحوال العادية، ولاسيما أن الإمكانيات المادية، وغلاء أسعار الذهب والألماس يحول دون شرائي لها.”

وأضاف “السلال”: «هذه الحالة العامة دولياً، أي ضعف القوة الشرائية أدى إلى تغيير سلوك المستهلك وحَرَفه باتجاه لم يعتد عليه سابقاً، وبدأ مع هذا الانحراف ازدياد الطلب على المجوهرات التقليدية، ولا سيما من دول الخليج والمغرب العربي».

وتابع “السلال”: «وكغيرنا من الورشات بدأنا نعمل بطريقتنا الخاصة في التصنيع، فنجرب، ونبدع، ونبتكر القطع، وقد جربنا الكثير من القوالب التي يمكن أن نطبع عليها، حتى إننا استخدمنا المعجون الذي يستخدمه أطباء الأسنان، حتى توصلنا إلى الخلطة المناسبة من خلال مزج بعض المواد مع بعض أنواع الأتربة، وبهذه الطريقة اشتغلت عشرات الورشات التي تميزت من بعضها بعضاً في الإنتاج وجودة المنتج».

ويضيف المهندس “ماهر”: “مع بداية عملنا فوجئ معظم تجار الحريقة بالمجوهرات التقليدية التي كنا نعرضها عليهم لتنوع وجودة الموديلات، ولاسيما أننا استطعنا تجاوز مصاعب ومشاكل تلبيس المجوهرات التقليدية بماء (الذهب أو الفضة أو النحاس)، وبدأت الطلبيات المحلية والخارجية تزداد، واستمر هذا الوضع إلى ما بعد منتصف العقد الأول من القرن الجاري، حيث بدأت الأزمة المالية العالمية من جهة، وإغراق الأسواق المحلية والخليجية بالمجوهرات التقليدية الصينية من جهة أخرى”.

لكن كيف استطاع المنتج الصيني منافسة مثيله المحلي في عقر داره؟

المهندس “عمار السلال” شقيق وشريك “ماهر” في الورشة فسر ذلك بقوله: «استطاعت الصين أن تدخل بقوة في هذه الصناعة الحديثة من خلال ما يعرف بالتكافل الصناعي، حيث يتم تأمين متطلبات أي موديل من المواد الأولية داخل المصنع، وبالكميات المحددة والمطلوبة، ما يخفض التكاليف إلى أبعد حد ممكن، على عكس الصناعة المحلية حيث يضطر صاحب الورشة إلى استيراد مختلف المواد الأولية والاستعانة بورشات التلبيس، ما يسهم في رفع التكاليف، وانخفاض الأرباح، وضعف القدرة على المنافسة، ما أدى إلى خسارة الأسواق الخارجية ولا سيما الخليجية والمغربية، وإلى حد كبير السوق المحلية، وهو بالضبط ما أدى إلى خروج عشرات الورشات، وما فيها من عمال من دائرة العمل».

وحول كيفية مواجهة هذا التحدي الخطير الذي قد يقضي على هذه الصناعة الناشئة؟! يجيب السيد “عمار”: «يمكننا مواجهة هذا الواقع وذلك من خلال محاور عدة أهمها: الاعتماد على جودة ونوعية العمل، خاصة أن عملنا يدوي إلى حد كبير ما يُكسب منتجنا جمالاً وروحاً، بعكس المنتج الصيني الآلي.

أما الأمر الثاني فيتعلق بقدرتنا كورشات على تلبية احتياجات التجار بالعدد المطلوب من الموديلات، على عكس المنتج الصيني الذي يُلزم المستورد بأعداد ضخمة من أي موديل، توقع المستورد بمأزق خسارة نسبة لا يستهان بها من المبيعات، لعلة عدم مواكبة الموديل للموضة، أما الأمر الثالث فيعود إلى ضرورة إيجاد ما يسمى (تكافل صناعي) أي تأمين متطلبات الصناعة محلياً، وأخيراً دعم الدولة لهذه الصناعة من خلال إعفائها من الضرائب والرسوم للتخفيف ما أمكن من تكاليف الانتاج».

لكن ماذا عن رأي السيدات في المجوهرات التقليدية؟

السيدة “بشرى إبراهيم” وافقت رأي السيدة “بطحيش” إلى حد ما وقالت: «أحب المجوهرات التقليدية الناعمة، ولا سيما الحلق، لأنها تكسر شيئاً من الرتابة، وتكمل أناقتي كامرأة، وتعطي لوجهي جمالاً، فهي إذاً تفي بالغرض».

أما السيدة “فاديا الهلال” فكان لها رأي آخر: «المجوهرات التقليدية لا تخطر ببالي، ولا تستهويني، إلا في حالة اضطراري لحضور عرس (حفل زفاف) عندها اضطر إلى شراء ما يناسب ملابسي، وفي بعض الأحيان يمكن أن أستأجرها للمناسبة بمبلغ بسيط، باختصار أنا من النوع الذي يستهويه الذهب، ولكن غلاءه يدفعني دفعاًً للالتفات إلى المجوهرات التقليدية».

يذكر أن للمجوهرات التقليدية نوعين كما قال السيد “مثنى الهلال” أحد أصحاب الورشات المنزلية: «هناك نوعان من الإكسسوارات (سهرة) و(عرايسي) أما إكسسوارات السهرة فيصنع معظمها من مادة الـ”زيركون” نظراً لقساوتها وتلبس بماء (الفضة أو النحاس) حسب اللون الذي نرغبه.

أما الإكسسوار (العرايسي) والذي يتكون من عقد وإسوارة وحلق وخاتم وتاج، فيلبس بماء (الفضة) ليناسب لون فستان الزفاف، كما يرصع بالألماس لزيادة بريقه».

وعن الأسباب التي دفعت المهندس “ماهر السلال” لاتخاذ هذه المهنة يجيب: «ما دفعني لهذا العمل هو حبي للعمل اليدوي من جهة، والمردود المادي الجيد من جهة ثانية».

وهذا ما وافقه عليه السيد “مثنى هلال” إلى حد ما، يجيب: «في البداية كانت الحاجة إلى العمل هي التي دفعتني للعمل بهذه المهنة، ومع الزمن أحببتها، كما أنها توفر لي دخلا جيدا يتناسب مع الجهد الذي أقوم به».

بقي أن نشير إلى أن عدد الورشات التي تعمل في مجال صناعة المجوهرات التقليدية في “دمشق” يصل لنحو (100) ورشة، أما الأسعار فتتراوح بين (400- 1500) ليرة سورية للعقد حسب نوعية الألماس وجودة العمل، أما الحلق فيتراوح بين (75-400) ليرة، و(150- 300) للاسوارة، وأخيراً (300- 1500) ليرة للتاج.