لكل السوريين

ضرورة العدالة في سوريا

بقلم/ اـ ن

ارتبطت الحرية في الأذهان بالحقوق السياسية، مثل حرية التعبير والتجمع والمشاركة في الحياة السياسية، لكن قصور وعيب هذه النظرة، أنها تتجاهل حقيقة أساسية، وهي أنه لا يمكن أن توجد حرية حقيقية في ظل غياب العدالة الاجتماعية. فحين يسيطر عدد قليل من الأفراد على الثروة والموارد، بينما تعاني الأغلبية من الفقر والتهميش، تصبح الحريات السياسية مجرد شعارات، لأن الفقر نفسه هو أعلى شكل من أشكال القيود المفروضة على البشر وحرياتهم، إضافة الى ذلك، فإن المجتمعات التي يرتفع فيها معدل الاستغلال الاقتصادي تكون أكثر عرضة للاستبداد والقمع، إذ تحتاج القوى المسيطرة إلى أدوات سياسية وأمنية للحفاظ على هيمنتها.

لقد سقط نظام الحكم المنهار، الذي حكم لعقود بالحديد والنار، مع تدمير كامل وممنهج للحياة الاجتماعية، مما يؤكد على ضرورة بناء دولة جديدة تستجيب لحاجات وتطلعات الشعب السوري كله.

وأنه يجب أن نصب اهتمامنا على ضمان الحرية للسوريين، وضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، والحرية هي القدرة الفعلية على التأثير في الحياة السياسية دون أن يكون الإنسان فقيراً أو محروماً، فالإنسان إذا كان يفتقر إلى أساسيات الحياة مثل التعليم الجيد، والرعاية الصحية، والمسكن اللائق، والعمل الذي يوفر له حياة كريمة. والحرية الحقيقية أن يمتلك الانسان القدرة الفعلية على ممارسة هذا الحق دون أن يكون أسير الفقر أو التهميش الاجتماعي.

وأن تحقيق مستويات أعلى من العدالة الاجتماعية يؤدي بشكل مباشر إلى تعزيز الحريات العامة، فالمجتمعات التي استثمرت في بناء نظام تعليمي مجاني ومتطور، وتوفير خدمات صحية شاملة، وضمان حقوق العمال وتأمين الحد الأدنى اللائق من المعيشة للجميع.

حين تتراكم الثروات والموارد في يد قلة، يصبح من الضروري بالنسبة لهذه الفئة حماية امتيازاتها عبر أدوات قمعية، مثل تقييد حرية الصحافة وتحجيم دور النقابات العمالية والحد من حرية التظاهر والاحتجاج. وفي مثل هذه الظروف، تصبح الحرية مجرد غطاء لاستمرار هيمنة الطبقة المسيطرة، حيث يسمح للناس بالتعبير عن آرائهم في نطاقات ضيقة، دون أن يكون لهذا التعبير تأثير فعلي على تغيير واقعهم المعيشي أو تحسين ظروفهم الاجتماعية.

لقد اعتمدت سلطة النظام الساقط نموذجاً قائماً على تركز الثروة في أيدي فئة صغيرة من المنتفعين، بينما بقيت باقي الشرائح تعاني من تدني مستويات المعيشة وصولا إلى انعدام الأمن الغذائي، وكان الفشل الذريع في تحقيق العدالة الاجتماعية، وعرقلة النمو الاقتصادي الحقيقي، حيث أدى الاحتكار والفساد والاستئثار بالموارد إلى بؤس الإنتاج والاقتصاد ومنع تدفق الاستثمارات إلى القطاعات الإنتاجية.

النموذج الجديد الذي يجب أن تسعى سورية المستقبل إلى تبنيه يجب أن يعكس فهم جديد ومتطور للعلاقة بين العدالة والنمو، وأن يكون النمو مستداما، يضمن إشراك فئات المجتمع جميعها في العملية الاقتصادية.

إن الاستبداد ليس مجرد وسيلة طارئة تلجأ إليها السلطة في أوقات الأزمات، بل هو جزء أساسي من بنية الأنظمة الاقتصادية غير العادلة. فالأنظمة التي تقوم على التفاوت الاجتماعي الكبير لا تستطيع الاستمرار دون ضبط المجتمع بالقوة، لأن أي استرخاء في القبضة الأمنية أو فتحٍ لمساحات الحرية يمكن أن يؤدي إلى انهيار المنظومة السلطوية بأكملها.