حاوره/ مجد محمد
أكد إبراهيم ملا خليل على أن عدم اتخاذ سلطات دمشق لأي موقف تجاه هجمات مرتزقة تركيا على شمال وشرق سوريا، وعدم التدخل لإيقاف الانتهاكات التي يتعرض لها الأهالي في المناطق المحتلة في الشمال السوري من قبل تركيا ومرتزقتها يدل على عدم شرعيتهم.
وتشكل السلطة بالنسبة للشعوب المقهورة مصدراً للقلق والخوف، بينما تشكل بالنسبة للشعوب التي تنعم بالديمقراطية مصدراً للأمن، وهذا ما يقودنا إلى الافتراض بأن السلطة أمر يستند إلى عقيدة ما، وما يوضح ذلك هو مسألة المصطلحات المركبة مثل سلطة الدولة وسلطة الحاكم وسلطة الشعب وسلطة القانون وسلطة الدين وغير ذلك، وفي هذا السياق تبرز إشكالية أخرى تتمثل بمفهوم شرعية السلطة على الرغم من أنها قائمة في الأساس على الاتفاق بين الآمر والمأمور، وترتكز على اتجاه سياسي أو عقائدي أو لقانون الطبيعة كسلطة الأم أو الأب على العائلة.
ولدى مراجعة التاريخ السياسي للعديد من الشعوب يمكن ملاحظة أن معايير اختيار الحكام وشروط استمرار سلطتهم مقتبسة، في معظمها، من مبادئ اختيار الزعماء في المجتمع، وكل حاكم مضطر إما أن يرتكز على ميثاق يستمد منه شرعيته أو أن يفرض ميثاقاً جديداً خاصاً به أو أن يقدم مسوغاً يبرر سلطته حتى تكون أوامره مستجابة.
فهل السلطة الجديدة في سوريا والتي يرأسها أحمد الشرع مشروعة أم لا؟ وهذا ما سنعرفه في الحوار الذي أجرته صحيفة السوري مع الأستاذ إبراهيم ملا خليل، الحائز على درجة الماجستير في القانون الدستوري، من خلال الحوار التالي:
*بداية، ما هي الأمور التي تتوقف عليها شرعية السلطة منذ القدم حتى الآن؟
بشكل عام، هناك ثلاثة أمور تتوقف عليها شرعية السلطة لدى البشر منذ المرحلة الميثولوجية، واستنبطت منها فيما بعد نظريات أو مصادر يستمد منها الحكام شرعية سلطتهم، ومنها نظرية سيادة الأمة ويكون الاقتراع فيها محصوراً بالنخب التي تمتلك القوة المادية والمعنوية بالاستناد إلى التقاليد الدينية والأعراف التقليدية والعشائرية، كأنظمة الحكم الملكية والإقطاعية، وأحياناً تتداخل مع مسألة العناية الإلهية كنظام مبايعة الخليفة في الإسلام، وهو الأمر الذي اتبعه تنظيم داعش من خلال إجبار شيوخ العشائر على مبايعة أبو بكر البغدادي بعد إعلان سلطته، وكذلك نظرية السيادة الشعبية التي تستند إلى مشاركة جميع البالغين في انتخاب الحاكم، ويلعب مجلس الشعب أو البرلمان أو ما يشبههما دوراً حاسماً في استمرار الشرعية، وأيضاً مسألة الزعامة الكاريزمية وفيها يفرض الحاكم نفسه كمصدر للشرعية، وتتحول الأيديولوجيا التي يتبناها إلى ميثاق ومصدر للشرعية، إما برضى معظم أفراد المجتمع، ويلاحظ هذا الأمر لدى قادة الثورات وكذلك لدى القادة المفكرين الذين يمتلكون القدرة على إلهام وتحفيز الآخرين من خلال الصفات الشخصية والرؤية، أو من خلال إخضاع معظم أفراد المجتمع بالترهيب والإغراء، ويلاحظ هذا الأمر لدى قادة أنظمة الحكم الاستبدادية والدول الفاشية.
*نيل سوريا شرعيتها كدولة في القانون الدولي، هل يجعل كل من يستلم سلطتها سلطة شرعية؟
بالتأكيد لا، فعلى الرغم من نيل سوريا شرعيتها كدولة في القانون الدولي، إلا أن معظم أنظمة الحكم التي توالت عليها لم تتمكن من بناء شرعية مستدامة لنفسها، والآن نصبت هيئة تحرير الشام نفسها فوق ركام هذه الأنظمة المتساقطة كسلطة جديدة، فشكلت حكومة مستنسخة من حكومة الإنقاذ، وهي حكومتها التي كانت تدير مناطق إدلب وريفها التي كانت مدعومة من تركيا، برز ذلك بشكل جلي من خلال الزيارات المكوكية للمسؤولين الأتراك إلى دمشق وحلب ومناطق أخرى، ومن خلال التصريحات الودية للهيئة تجاههم وكأنهم لا يزالون أصحاب الوصاية عليها، وعلى الرغم من التصريحات المتكررة لزعيم الهيئة أحمد الشرع أبو محمد الجولاني بأنهم لا يتبعون عقلية الثورة في بناء الدولة الجديدة، إلا أن الانتهاكات التي ارتكبت بحق العلويين والمسيحيين والمرشدين والموالين للنظام، ومحاولات نزع سلاح الدروز، والتصريحات المبطنة المعادية تجاه كل من الكرد وقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، في سياق الاستجابة للضغوط التركية، تخالف هذا الموقف تماماً، وتجعل العقلية الفصائلية الموصوفة بعقلية الثورة حاضرة بقوة في مقاربة السلطة الجديدة في دمشق تجاه قضايا البلاد وأزماتها، خاصة في ظل عدم وجود دستور وطني.
*هل يمكن أن تكون سلطة الشرع شرعية، رغم أنه حتى الآن يوجد في سوريا احتلالات اجنبية؟
لا تزال البلاد تعيش في أزمتها، وتفتقر العديد من المناطق للأمن والأمان، وهناك قوات أجنبية تنتهك السيادة السورية بشكل ممنهج وتشن اعتداءات على المواطنين، فالقوات التركية والفصائل الموالية لها مستمرة في هجماتها على الأعيان المدنية في شمال وشرق سوريا، وترتكب المجازر والانتهاكات، وتعليقاً على ذلك أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش على أن لدى القوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري سجل حقوقي مزر في مناطق شمال سوريا الخاضعة للاحتلال التركي واعتبرت المنظمة أن العديد من تلك الانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب، وزاد تنظيم داعش من نشاطاته مستفيداً من الفراغ الأمني الذي خلفه سقوط النظام، والاستيلاء على الكثير من مخازن أسلحته، كما تعاني البلاد من أزمة اقتصادية ومالية حادة، وهناك سبعة ملايين نازح داخلياً، فيما تستمر معدلات سوء التغذية المزمن في الارتفاع، وأوضح التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انخفض بنسبة ٦٤٪ منذ بدء النزاع عام ٢٠١١ كما فقدت الليرة السورية حوالي ثلثي قيمتها خلال عام ٢٠٢٣ وحده، مما رفع معدل التضخم الاستهلاكي إلى ٤٠٪ عام ٢٠٢٤، وسط هذه الأزمات التي تشهدها البلاد، فرض قادة هيئة تحرير الشام أنفسهم كأوصياء شرعيين على سوريا، وصوروا زيارات الوفود العربية والأجنبية إلى دمشق على أنها اعتراف بسلطتهم، وبدأوا بإصدار مراسيم وقرارات شملت الأمور الإدارية وفصل عشرات الموظفين في معظم المؤسسات، وبدأ الإعلام الموالي بتصوير الحكومة الجديدة كحكومة أمر واقع.
*ختاماً وبشكل مبسط، هل سلطة دمشق شرعية أم لا؟
تؤكد معظم الدراسات والأبحاث السياسية والاجتماعية والقانونية على أن شرعية أية سلطة إنما تستند على ثلاث ركائز، وهي الشعب والأرض والسيادة، وهذا ما لا تمتلكه الإدارة الجديدة في دمشق، فالشعب ثلثه مهجر، ومن تبقى منقسم في اتجاهات سياسية ويعطي شرعية السلطة للطرف الذي يمثل اتجاهه، كما أن غالبية السوريين من المسلمين، بمختلف مذاهبهم، ليسوا على مذهب وأيديولوجية هيئة تحرير الشام، هذا عدا عن وجود أتباع الديانات الأخرى، ومن المفترض أن يكون ولاء الشعب لدستوره الوطني بموجب عقد اجتماعي، وهذا غير موجود على أرض الواقع، ولم تعط غالبية الشعب موافقتها على السلطة الجديدة من خلال الانتخابات أو عبر نخبه السياسية والاجتماعية، أما بالنسبة للأرض والإقليم، فمناطق من داخل حدود الدولة السورية خاضعة لاحتلالين، تركي وإسرائيلي ، كما أن السلطة الجديدة في دمشق عاجزة عن فرض سلطتها على أكثر من ثلثي البلاد، والتي تشمل الشمال والجنوب السوري والبادية وشمال وشرق سوريا. أما السيادة فتستند بشكل رئيسي على الركنين الشعب والأرض، وينظمها الدستور أو العقد الاجتماعي، وبهذا اؤكد لك أن سلطات دمشق غير شرعية بتاتاً.