لكل السوريين

منحوتات تعود للعصر المقدوني.. ماذا لا تعرفه عن موقع حصن سليمان؟

يقع حصن سليمان في حضن جبل النبي صالح من الجهة الغربية على ارتفاع يصل إلى 950 م، عن سطح البحر، وتبعد أطلال هذا الحصن مسافة 20 كلم عن بلدة الدريكيش في الزاوية الشرقية الشمالية، و56 كلم عن مدينة طرطوس، كما يمكن أن يصله الزائر عن طريق صافيتا.

تحيط به الجبال من الشمال والشرق والجنوب، وينفتح على واد جميل تزينه أشجار الجوز والدلب والدوالي والتوت والسنديان وغيرها، ويلاحظ أن موقع الحصن قد تمت دراسته منذ القديم، فهو يحتمي بالجبال من هواء الشتاء البارد الآتي من الشرق والشمال ويستقبل الهواء الغربي النقي والرطب القادم من الغرب صيفا.

يسمى معبد حصن سليمان ببيت خيخي أو بيت سيسي أو بيت خيخة، ونلاحظ من هذه التسمية (بيت خيخي) أن الإسم يحمل جذورا سامية، أو بيت سيسي نسبة إلى الإله الأكبر (بيتوسيسي) والذي يعتبر الإله الشافي من الأمراض لدى الرومان.

ومن المعلوم أن غالبية المعابد الرومانية والمسيحية قد احتفظت بأماكنها السابقة وأبرز مثال على ذلك الجامع الأموي بدمشق الذي يحتل البقعة نفسها التي كانت تقوم عليها كنيسة يوحنا المعمدان ومن قبلها معبد جوبيتر الآرامي، وفيما يتعلق بمعبد بيت خيخي يحتمل أنه كان الإله (زوس) بديلاً محلياً للرب (بعل) التي كانت عبادته منتشرة في العصور التي ازدهرت فيه الموانئ الفينيقية على الساحل السوري.

ويطلق على هذا المعبد أيضاً لقب (حصن معبد البعل) نسبة للإله بعل ـ ولا يزال بقربه قرية تعرف باسم (بتعلوس)، وإذا ما رجعنا إلى الجذر الروماني فإن البعل كان يقال له (البعلوس) وهناك امبراطور روماني واسمه “أليجا بعلوس” وقد حاول إدخال عبادة الإله بعل إلى روما.

يعتبر موقع بيت خيخي (حصن سليمان) من أقرب الأماكن إلى أرواد التي كانت من أهم المدن الفينيقية على الساحل لاسيما أن نفوذها يمتد إلى أعماق جبال العلويين في الداخل ولا شك أنه قد بقيت في بيت خيخي ولو لحقبة من الزمن في ظل السيادة الأروادية باعتبار أن اسم بيت خيخي يحمل جذوراً سامية.

ولا شك أن حصن سليمان كان مركزاً فينيقياً متقدماً في الجبل، وباعتبار أنه كان تابعاً لدولة أرواد في فترة من الزمن (العهد الفينيقي) فقد كانت الأخشاب لصنع السفن وللتصدير تأتي من هناك وقد اعتمدت على ذلك في صناعة سفنها.

لقد كان حصن سليمان طوال فترة من الزمن معبداً وحصناً للفينيقيين القاطنين في الجبل ، وتذكر المصادر التاريخية أن الطريق من عمريت إلى حصن سليمان كان وسط غابات أشجارها وارفة بحيث أن المسافر يقطع المسافة كلها في الظل الظليل.

ولا تزال إلى الآن بقايا أبراج ومحطات موجودة عبر طريق الوادي حمين وقلعة تخلة ومن شمال الدريكيش إلى الأكمة (قلعة الكيمة) وعين التينة إلى حصن سليمان.

ومن المؤكد أن تاريخ حصن سليمان لا يقتصر على العهود الرومانية الهلنستية والفينيقية بل ويعود إلى العصور الشرقية القديمة، ويعود تاريخه بوصفه المعماري الراهن إلى القرنين الثاني والثالث الميلادي عندما أقام فيه أهل جزيرة أرواد القدماء معبداً (لبعل) وعشتروت، فعلى أنقاض بعل السامي نشأ معبد زوس هذا الذي يتمتع بامتيازات فريدة وإيرادات خاصة حولته في الماضي إلى صرح ديني رائع وماتزال أطلاله حتى الآن تسلب ألباب الناظرين إليه..

لقد دلت الدراسات التي تم إجراؤها على الكتابة المنقوشة باللغتين اليونانية واللاتينية في أماكن متعددة من الحصن بالنسبة للعهد الهلنستي على أن المعبد كان موجودا” في ذلك العهد الذي كانت فيه سورية جزءا” من المملكة السلوقية (من القرن الثالث ق.م وحتى القرن الأول ق.م) بيد أننا لا نعرف كيف كان عليه المعبد في ذلك الحين.

ومهما يكن من أمر فإنه لا يبدو معبد خيخي قد وصل في العهد الهلنستي إلى المكانة الهامة التي احتلها في العهد الروماني اللاحق إلا أن البحث العلمي قد سبر أغواره أكثر من مرة وكانت أحدث دراسة مفصلة عنه قد تمت على يد كل من العالم كرينكر وتشيشمان اللذين نشرا نتائج دراستهما عام 1948م.

مع العلم أنه في الوقت الحالي ومنذ عام 1990-1991 م، تقوم المديرية العامة للآثار والمتاحف بالكشف والتنقيب عن باقي المعالم الأثرية حيث تم الكشف عن بعض الليرات الذهبية والأساور الفضية التي تعود إلى العصر الإسلامي، مع الأخذ بعين الإعتبار وجود كتابات على بعض البوابات ومنحوتات بارزة (مضافة) إلى السور تعود إلى عهد السيطرة المقدونية والرومانية .