لكل السوريين

“أبكتني أوتار هذا العود الحزين شجت ثنايا صدري على بحر السنين”

“أبكتني أوتار هذا العود الحزين شجت ثنايا صدري على بحر السنين”

الكاتب عمار حميدي

كانت في الرّابعة عشر من عمرها عندما كتبت أول قصيدة لها تلك القصيدة أسمتها “أوتار العود الحزين” والتي تقول في مطلعها هذه الكلمات، تلك القصيدة كانت رغم بساطة كلماتها إنجازاً عظيماً فَرِحت به الطفلة الرقيّة -المولودة في عام 1995-  فرحاً كبيراً.

وخلافاً لكثير من الكُتّاب الذين ينسون ما فعلت الايام بأولى مخطوطاتهم ونصوصهم تتذكر جيّداً الكاتبة “بيداء الصالح” أنها قامت بحرق تلك القصيدة بعد خلاف كبير مع والدها السيد حسين.. ذاك الأب الحنون الذي كانت هي الابنة الثانية له.

ذاك الرّجل الذي يعرف جيداً كيف ينظر المجتمع الرّقي المحافظ جداً والملتزم والمتزمّت إلى حدّ التخلف والتعصب..  إلى الأنثى الكاتبة… فكيف إن كانت هذه الكاتبة تميل إلى الأدب السياسي الهزلي. حاول السيد حسين كثيراً أن يحول ما بين ابنته وقلمها، حاول أن يمنعها عن المسير في هذا الطريق الوعر ولكن كل تلك الشجارات بينهم لم تستطع أن تقتل الطموح في قلبها المتطلّع إلى الأعالي، ويطفئ شعلة الإبداع في قلمها العنيد.

ذاك الرجل الذي كان محبّاً للترحال بشكل غريب فكان ترحاله  وانتقاله من مكان إلى آخر كل فترة سبباً في ارتيادها عدد كبير من مدارس مدينتها الرّقة ومنها عدنان المالكي ثم الفارابي ثم مدرسة حطين ثم منير حبيب ثم مدرسة بلقيس للبنات،  وبينما كانت الشابة تستعد لنيل الشهادة الثانوية  تفاقمت الأزمة في سوريا، وكان الوضع في بلاد الياسمين يسير من سيء إلى أسوء، ولم يَسلم في بلد السلام من لظى تلك النيران قلبٌ ولا حجرٌ ولا شجرٌ، وكان لخا نصيب لا بأس به من تلك المرارة وتلك المعاناة فتوقفت عن دراستها لعامين أصاب قلبها بهما يأساً كبيراً قبل أن تعود وتستأنف دراستها في محافظة اللاذقية حيث نالت الشهادة الثانوية في عام 2014 وبدأت بدراسة المعهد التقني الهندسي في جامعة تشرين في اللاذقية غير انها لم تكمل دراستها به بسبب سوء الظروف المادية التي عانت منها الأسرة فذهبت لدراسة إدارة الأعمال في التعليم المفتوح.

أما عن بداية ولوجها إلى عالم الأدب -والّذي كان في عام 2009- فلا تخلو من الغرابة، حيث أثّر المسلسل الكرتوني “إيميلي” الذي عرضته قناة سبيستون تأثيراً كبيراً في قلب الشّابة، وهو سيرة ذاتية للكاتبة الإنكليزية ” أيميلي برونتي” فأحبته وأحبت كاتبته وأفتتنت بروايتها الشهيرة “مرتفعات وذرينغ “، فقامت -لشدّة دهشتها بها- بقرائتها لخمس مرات في شهر واحد.

فكيف لكاتبة تدخل عالم الادب من هذا الباب الرائع ألّا تتميز، ألّا تنضج مبكراً، ألّا تسمو بأحرفها وترتقي بأفكارها؟

نعم؛ لقد تتلمذت بيداء على يدي إيميلي.. فنعم المعلم

..ولها -حتّى يومنا الحاضر- من الكتب خمسة…

أولها كان كتاباً ضمَّ باقة من أجمل الخواطر اسمته “عيناه خضراء كالقهوة” وقد قامت بإصداره عام 2016 في مصر عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع وتعرض الأسم للانتقاد بشدة نتيجة لغرابته ومخالتفه للغة، ولكن تلك الإنتقادات كلها لم تستطع ان تمنعه من الوصول إلى أوروبا بعدما أجتاح الوطن العربي.

أما الثاني فكتابها “هايبومنيا” الذي قامت بإصداره إلكترونياً عام 2017 وهو عبارة عن مجموعة تغريدات لها على التويتر.

وتحتل المرتبة الثالثة في قائمة إنجازاتها روايتها “حماقة قلب” التي كتبتها في 2015 وقامت بتعديلها عدت مرات قبل ان تقرر أخيراً نشرها في عام 2019 في سوريا، وقد لاقت رواجاً بين فئة الفتيات خصوصاً مما أسعدها، وهي عبارة عن رواية رقيّة جلّ محتواها من الواقع الرّقي.

وأخيراً روايتها “مذكرات أبي” التي تتحدث عن الواقع الرّقي في فترة الحرب.

 

ولقد تم تكريمها عام 2017 من قبل جاليات سورية في مصر ومنها ” جمعية العطاء السورية ”

…ومن كتاباتها…

 

“لسان ذاكرة

 

لنفترض أنّ لذاكرتي لسان ماذا سوف تقول لي!؟

مجرد الفكرة تخيفي جداً، نعم من المرعب أنّ تتكلم ذاكرتنا وتسمعنا صوتها المسموع.

ماذا ستقول لنا أمام العالم إذا جاءتها نوبة حنين، هل سوف تنوح حبٌ، أم تشتمني ألماً، أم سوف تصرخ تصرخ عالياً، بكل ما يؤلمها،  تنشر نوباتها الصامتة للعلن،  تُفشي كل ساعات حنيني المكتومة.

سوف تكف عن تقليم الذكريات بمقص الوقت،  وتُعيد تركيب كل القطع المقطعة عندما تصرخ بها، ستجعلني محط شماتةٍ أمام من ادعيت أمامهم القوة،  وخلعت سترت حبهم ومشيت بكعبٍ من الكرامة.

ماذا ستفعل عندما تخبر كل من لم أحادثهم بأن كرامتي كانت تستنزف تحت أقدامهم حباً ألماً وشوقاً، ستفشي بعدد العرافات التي زرتهن لمعرفة طالعي،  وستخبرهم عن عدد فناجين القهوة التي قلبتُ رأسها على عقب لنبشِ قبر قهوتي،  باحثةً بعين البصّارة عن بقايا حبيبٍ عائد، أو طريقٍ سالكٍ لأحلامي، وكثيرٌ ما سألتها أنّ تبحثَ لي عن سمكة ذهبية جميلة اسمها رصيد الدنيا لأنني كنتُ قد مللتُ وتقرحتُ من فقري، سألتها في أثناء بصماتي لقعر الفنجان عن الحظ، فصفعني وهو يطفئ عقب سيجارتهِ الملفوفة بعناية قائلاً لقد اتفقنا أنا والقدر على أنّ يكونَ قَدَرَكِ و أكون أنا حظكِ نائمةً لسنواتٍ لا تُوقظيني فيها لا أنتِ ولا هوَ، فكفي عن العواء بأنني سيء واصمتي، قيلوتي أفضل من مستقبلك وهذهِ المعلومة مجانية.

هذا لو كان لذاكرتي لسان لشتمتني تبرأت مني، قام بفضيحتي، لتجعل من يراها تتكلم عني وعن نوبات محاولات النسيان يصفني بالجنون، ستخجلني أمام الكثير، هذا بلسانٍ فقط.

فماذا سوف تفعل بي لو كان لديها يدين أو قدمين، ماذا سوف تكون العواقب ياترى.

 

انتهت من خط هذهِ الكلمات وكانت قد قدمت رشوة للسان ذكرتها الدماغي الكثير من الحبوب المضادة للاكتئاب لتدخلها حالة نشوة لكي لا تتذكر ماذا خطت عنها وتقوم بمحاكمتها بعدم النسيان الأبدي.

أحبوا ذاكرتكم، دللوها لأنها عجوز ذات لسانٍ سليط”