لكل السوريين

تحت شعار محاربة إيران وتنظيم داعش في الجنوب.. جهود لتأسيس حزب مسلح وممول من الخارج

السويداء/ لطفي توفيق

كشفت شبكة “الراصد” المحلية بالسويداء في تحقيق لها عن وجود مخطط لتشكيل حزب سياسي جديد مرتبط بجناحٍ عسكري ومدعوم من الخارج، يستهدف السيطرة على المحافظة بشكل تدريجي، وإزاحة النظام وإيران وتنظيم داعش منها، وسط مخاوف من أن يؤدي هذا المخطط الى إشعال حرب أهلية في المنطقة.

واستندت الشبكة في تحقيقها على مجموعة من الوثائق والتسريبات التي تتضمن مراسلات جرت خلال الأشهر الماضية، بين شخص من السويداء مقيم بفرنسا، وهو العرّاب الرئيسي للمشروع، مع مسؤولين أميركيين في التحالف، يطلب فيها منهم دعماً مالياً لتشكيل جناح عسكري لحزب سياسي يسميه حزب “الفيلق”.

وبحسب معلومات خاصة حصلت عليها الشبكة، لم يقدم الأميركيون أي دعم له، ما دفعه إلى التواصل مع سفارة الاحتلال الإسرائيلي في باريس، وترتيب عدة لقاءات مع دبلوماسيين إسرائيليين في شهر آذار الماضي، وبعد أسابيع على اللقاء بدأ بإرسال الأموال إلى السويداء وتشكيل مجموعات مسلحة.

خطوات التنفيذ

حسب الوثائق والمراسلات التي ترجمتها شبكة الراصد بين عرّاب المشروع وبين الأميركيين، ذكر فيها أن أول خطواته بدأت بإنشاء مؤسسة بفرنسا، وتحدث عن شراكات مع لاعبين دوليين لم يحددهم، وعن تقارير قدمها للمخابرات الأمريكية، تزعم وجود جهود في المنطقة لمحاربة داعش وإيران.

وذكرت الوثائق أن رعاة المشروع اجتمعوا بالسفارة الأميركية في باريس، مع السفير الأميركي ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون بلاد الشام، والمبعوث الخاص لسوريا، وتحدثوا عن فراغ سياسي واقتصادي وعسكري في السويداء، وركزوا على الدور المهم الذي تلعبه الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط.

وأكدت الوثائق أنهم يتواصلون بشكل مستمر منذ ذلك الحين، ويقومون بإعداد تقارير شهرية حول الوضع في الجنوب السوري، والفراغ السياسي والاقتصادي والعسكري، وعن الجيش السوري الذي “أصبح مجرد ميليشيا تابعة لإيران”، وعن نفوذ الروس “الضعيف في المنطقة”.

وأشارت الوثائق إلى أن الهدف الحالي من تشكيل جناح عسكري تابع لهذا الحزب مكون من ستمئة مقاتل في مرحلته الأولى، جميعهم موجودين في القرى الشرقية للسويداء بالقرب من الصحراء الشرقية، هو الاستعداد “للمواجهة القطعية التي نعلم جميعاً أنه لا مفر منها”، في إشارة صريحة وواضحة إلى مساعيهم لفتح حرب في السويداء.

وتهدف الخطوة الثانية حسب الوثائق، إلى ملء هذا الفراغ السياسي والعسكري، بتأسيس حزب سياسي، وجناح عسكري يستقطب كوادر شابة من السويداء، موضحة أن هذا الحزب يعمل سراً حتى الآن، ولن يتم الإعلان عنه إلّا بعد أن “يضمنوا أنهم أقوياء بما يكفي لحماية كوادرهم العاملة داخل السويداء”.

وحسب المراسلات تم التواصل مع أشخاص عرض عليهم الانتساب إلى الحزب، كما عرض عليهم مبلغ خمسمئة دولار كراتب شهري، ومئة دولار مقابل الاتصال مع أي شخص لإقناعه بالانضمام إلى الحزب.

مزاعم باطلة

حسب تقرير شبكة الراصد، زعم عرّاب المشروع أن الحزب الخاص به، تمكن مؤخراً من ردع إيران في القرى الشرقية من محافظة السويداء، ومنعها من التوسع، كما منع حزب الله من إقامة معاقل داخل القرى المذكورة.

كما زعم أن عناصر الجناح المسلح للحزب تمكنوا تم من دحر داعش عند هجومها على قرى المحافظة الشرقية.

وهذه المزاعم باطلة وغير صحيحة، فالهبة الشعبية العفوية والشاملة هي من دحر داعش عند هجومها على هذه القرى.

كما أن المحافظة لم تشهد مواجهات حقيقية مع إيران أو حزب الله، كما يزعم الرجل المقيم في فرنسا، ويدعي ذلك لاستجرار الدعم المالي، واستجداء التنسيق مع القاعدة الأمريكية في التنف لتعزيز سيطرته على الجنوب، ليكون، حسب زعمه، أول حزب سياسي علماني في الجنوب السوري يمتلك جناحاً عسكرياً قادراً على فرض سيطرته تدريجياً على السويداء.

تدوير العصابات

أكدت مصادر محلية أنه منذ عام 2019 تواصل عرّاب المشروع مع عدة فصائل بارزة في السويداء منها “حركة رجال الكرامة”، وفصيل “القاهرون”، لإقناعهم بالانضمام إلى المشروع الذي يسعى له.

ولكن معظم الفصائل رفضت قبول الفكرة أو التعاون معه، كما رفضت منذ بداية الحرب قبول أي دعم مالي من دول أجنبية لتحافظ السويداء على حيادها، وعدم انحيازها لأي طرف في الحرب الدائرة في سوريا.

ودفع هذا الرفض عرّاب المشروع إلى البحث عن البديل.

ووجد البديل بتأسيس عدد من الفصائل المسلحة في الريف الشرقي وبلدة القريا ومدينة شهبا، والتواصل مع عصابات الخطف والسرقة للتعاون معها.

وبعد ذلك تم تأسيس فصيل في بلدة المزرعة، وكانت خطوته المباشرة نصب حواجز بتعليمات من رأس المشروع، وتجنيد عشرات الأشخاص بعد إغرائهم برواتب شهرية كبيرة.

وكانت فصائل محلية مسلحة، من بينها فصيل المزرعة، قد أقامت حواجز ونقاط مراقبة ثابتة، في عدة نقاط قريبة في ريف السويداء الغربي، ونصبت الحواجز على طرقات القرى المحاذية لريف درعا الشرقي.

وحسب هذه الفصائل، يهدف نشر الحواجز إلى مراقبة وحماية الطرقات التي تشهد حوادث أمنية متكررة، ويقطعها مسلحون مجهولون بين الحين والأخر لاستهداف المارة، حيث راح ضحية هذه الحوادث عشرات المواطنين خلال السنوات الماضية.

حادثة قرية خازمة

كثرت التقارير التي تحدثت عن مجموعة مسلحة تنشط بالسويداء، وتعمل على طرح مشروع سياسي محلي، واستقطاب الشباب من جميع قرى المحافظة للانضمام إليه من خلال تقديم اغراءات مالية كبيرة.

وفي شهر شباط من العام الحالي، دخلت هذه المجموعة قرية “خازمة” الواقعة أقصى جنوب شرق المحافظة، بشكل مفاجئ، وهي تطلق النار بالهواء، مما أثار قلق وارتياب سكان القرية،

وتوجهوا إلى منزل الشخص الذي كان يقود المجموعة للاستفسار عن سبب تواجد المسلحين، فأبلغهم أنه يسعى لتشكيل فصيل مسلح، بدعم من إحدى الدول الخارجية، التي لم يسمها، ويعتزم إنشاء معسكر للتدريب، وأخبرهم أن باب الانتساب مفتوح مقابل رواتب شهرية.

وزعم أن مقاتلات من قوات سوريا الديمقراطية ستشرف على عمليات التدريب، وأن الفصيل سيكون نواة لإنشاء حماية وإدارة ذاتية في المحافظة، وسيتولى مهمة محاربة عمليات التهريب باتجاه الحدود الأردنية.

وأثارت هذه المزاعم قلق أهالي القرية، سيما وأن هذا الشخص متهم بعلاقات مشبوهة.

ولدى ورود خبر دخول المجموعة إلى القرية، توجهت عدة فصائل مسلحة من المنطقة إليها لاستطلاع الأمر، فطلب أهالي القرية منهم التروي، لأنهم سيعالجون الأمر دون مشاكل. وأعطوا مهلة قصيرة لهذا الشخص ومن معه لمغادرة القرية. وخلال ساعات انسحب المسلحون منها.

حادثة غيضة حمايل

بعد خروج المجموعة المسلحة من قرية “خازمة” توجهت إلى تخوم قرية “غيضة حمايل” في الريف الشرقي للمحافظة، فقام عدد من أهالي القرية والقرى المجاورة بطردها، بعدما أثارت روايات المسلحين شكوك الأهالي.

وقال مصدر من القرية إنهم يسمعون منذ مدة معلومات عن مساعي شخص مقيم خارج سوريا، لتشكيل فصيل مسلح داخل محافظة السويداء، واستجرار الدعم من دول أجنبية، بغية خلط الأوراق في المحافظة، وزجها في صراع المحاور، تنفيذاً لأجندات الدول الداعمة، وليس لإنقاذ المحافظة كما يزعم.

واعتبر المصدر أن طرد الأهالي لهذه المجموعة، كانت رسالة واضحة بأن السويداء لن تنجر وراء أي مشروع مشبوه يدار من الخارج، ويهدف إلى مصادرة قرار سكان المحافظة وزجهم في صراعات تجنبوها طيلة سنوات الحرب.

حزب الفيلق

يزعم عرّاب المشروع أن الحزب الجديد يقوم على عدد من المبادئ، على رأسها طرد إيران وداعش من الجنوب السوري أولا، ثم من جميع أنحاء سوريا، بالتعاون مع القوات الأمريكية في قاعدة التنف.

وحسب شبكة الراصد، يحاول الحزب استقطاب كوادر شابة من السويداء، كما يسعى لتأمين كوادر إدارية برواتب مغرية، بالتوازي مع تشكيل جناح عسكري يضم في مرحلته الأولى، ستمئة مقاتل من قرى السويداء القريبة من الصحراء الشرقية.

وفي إحدى المراسلات المسرّبة مع المسؤولين الأمريكيين قال عرّاب المشروع “سنبدأ خطواتنا الفعلية لإعلان سيطرتنا الكاملة على ريف السويداء الشرقي، وإزالة أي وجود للنظام السوري أو إيران نهائياً في تلك المنطقة”.

وأشار إلى أن “الحزب المشكل هو حزب علماني، وأن لا وجود لأي ميول دينية عند الفصائل المنضوية ضمن حزب الفيلق”.

وظهرت بوادر المشروع الجديد مؤخراً عنما صادر فصيل “المزرعة” التابع للتشكيل الجديد، سيارة مسـروقة عائدة لفصيل آخر، وما نتج عنها من خلافات، كادت أن تتسبب بحدوث قتال بين الفصيلين.

وتصاعدت الأحداث عندما رد الفصيل الأخر بسلب سيارات عائدة لأهالي المزرعة، لتتطور الخلافات إلى مشاحنات قد تتحوّل لاشتباكات في أي لحظة.

تحذيرات من حرب أهلية

في ظل هذا الوضع المتوتر، والترقب القلق والحذر، تتعالى أصوات منظمات المجتمع المدني بالمحافظة، والعقلاء من الفعاليات الاجتماعية فيها، محذرة من حدوث اقتتال بين الفصائل المسلحة، قد يتحوّل إلى حرب أهلية نتيجة التركيبة السكانية ذات الطابع العشائري لأبناء المحافظة، وحالة الفلتان الأمني التي تشهدها، وعدم قيام الأجهزة الأمنية في المحافظة بدورها، وتحاشيها أي صدام مع المجموعات المسلحة المحلية، وعدم وضع حد لمجموعات الخطف والسلب التي تستهدف أمن المحافظة.

بيان دار عرى

وفي هذا السياق صدر بيان عن “دار عرى” وهي الزعامة التقليدية بالمحافظة، يدعو لوحدة الصف ويحذر من المخاطر الجديدة.

وجاء في مطلع البيان “إن ما تعيشه السويداء من فراغ سياسي وأمني وتهميش اقتصادي جعل المحافظة بحالة يرثى لها، فالأوضاع القاسية التي يعاني منها أهالي المحافظة تدفع الكثير منهم للبحث عن حلول… “.

وأشار البيان إلى أن “أي مشروع لن يكتب له النجاح إلا عندما تكون صيغته توافقية وتشاركية بين جميع المكونات”.

ولفت إلى أن “محاولة تشكيل جماعات مسلحة لفرض رؤية سياسية لن يؤدي بنا إلا لمزيد من التفرقة”.

وأشار إلى أن تمويل هذا المشروع “لا يتم عبر مغتربين أو رجال أعمال كما يشاع، بل عبر جهة أو دولة تبحث عن مصالحها وليس عن مصالح السوريين، وهذا الأمر لا يخفى على أحد، فجميع الدول التي تدخلت في سوريا لم تبحث إلا عن مصالحها بالدرجة الأولى”.

وأضاف أنه “علينا اليوم أن نشخص الواقع بموضوعية ولا نزكي نار الفتنة بين أبناء الجبل، ونبتعد عن ثقافة التخوين والإقصاء”.

وختم البيان مذكراً بوحدة أبناء الجبل بجميع مكوناتهم وأطيافهم، مشيراً إلى أن هذه الوحدة مكنت أبناء المحافظة من دحر المئات من تنظيم داعش الإرهابي خلال ساعات معدودة عندما هاجمت قرى المحافظة الشرقية.

كما استذكر القائد الوطني المغفور له سلطان باشا الأطرش، “الذي ثار من أجل جميع السوريين، ومن أجل وحدة واستقلال البلاد، تحت شعار الدين لله والوطن للجميع، رافضاً أن يكون الجبل معزولاً عن وطنه الأم سوريا”.