تقرير/ سلاف العلي
يعاني سكان الساحل السوري من تدهور متواصل في المستوى المعيشي، حيث تتسع الفجوة بين الدخل والإنفاق الضروري، في ظل انقطاع الرواتب وارتفاع معدلات البطالة، وسط غياب البدائل الاقتصادية الفعالة. وتشير المؤشرات المرتبطة بالمعيشة من زاوية استهلاكية، إلى أن تكاليف السكن والمواصلات والتعليم والرعاية الصحية واللباس والأدوات المنزلية والاتصالات، تمثل جوانب أساسية لضمان مستوى معيشي مستقر، ما يكشف صورة مركبة لتكاليف الحياة في مدن وقرى الساحل، عبر دمج البعد الغذائي بالحاجات الأخرى بمنطق نسبي يضمن تقديراً دقيقاً للحد الأدنى اللازم للحياة.
وتزداد معاناة المواطنين في الأسواق التي تشهد استغلالاً واسعاً، تجاوز حتى المواسم والتبريرات التقليدية، فأسعار الخضار والفواكه ترتفع بشكل غير مسبوق رغم وفرتها، وسط تبريرات التجار الموسمية، إذ لم تسلم المنتجات المحلية مثل الثوم والفول والبازلاء من تذبذب الأسعار، وكانت ضحية للاستغلال في موسم المونة الذي يمثل عبئاً إضافياً على ميزانية الأسر. ويؤشر هذا التناقض على غياب التنظيم والإدارة والرقابة الفعالة، إذ تتحكم قلة من التجار بالأسواق وتتعامل مع حاجات المواطنين اليومية كموسم ربح سريع، في ظل غياب شبه تام لأي تدخل حكومي. وهذا ما يجعل من التدخل العاجل والحازم ضرورة اقتصادية وأخلاقية، وليس مجرد مطلب شعبي، لمنع تحول الأسواق إلى ساحات فوضى يتحكم بها من يملك أدوات التخزين والنقل.
ويرى كثيرون أن الأمن والاستقرار يمثلان ركيزة أساسية في حياة البشر، وأساس استقرار الدول والمجتمعات، في ظل حكومات تحترم كرامة الإنسان وحقه في أساسيات الحياة، من أمان وطمأنينة إلى أمن غذائي وصحي، حيث يشكل هذان العنصران عامل استقرار نفسي ومادي، يدفع المجتمعات إلى التقدم وازدهار الحضارات، فيما يؤدي غيابهما إلى تفشي الخوف والقلق وغياب الثقة بين الناس والحكومة، ما ينعكس بمظاهر الجريمة والفساد ويعطل مسيرة الحياة ويشلّ التفكير بالمستقبل، بسبب حاضر لا يمنح مساحة للأمل.
وبعد الحرب الكارثية التي عصفت بحياة السوريين كافة، بات القلق والرعب والترقب المشوب بالحذر حالة عامة، سواء لأسباب انتماء خلقي أو ولادي، أو جزاء على كلمة عفوية قد تقود إلى التهلكة أو الموت دون محاسبة. وكان السوريون، بعد زوال الديكتاتورية، يترقبون الحرية بمعناها الواسع، مقرونة بالأمان المفقود منذ عقود، والأمن الذي يتيح ممارسة الحياة اليومية بنوع من الطمأنينة، إلا أن واقع الحال اليوم يشير إلى افتقاد كثيرين حتى لذلك الأمان الوظيفي الوهمي الذي كانت تؤمنه وظائفهم رغم تدني أجورها.
وبعد أسابيع قليلة من تغيّر المعادلة السياسية، وجد آلاف المواطنين أنفسهم دون عمل أو أجر، خصوصا مع تأخر صرف الرواتب، واستثناء فئة المتقاعدين من الزيادة الموعودة، وتسريح عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي، وتركهم لمصير مجهول، يعصف به الخوف والخيبة والقلق على مستقبل أبنائهم وتعليمهم الذي بات في خبر كان. ويزيد من خطورة الوضع أن هذه الإجراءات تأتي من حكومة تصريف أعمال لا تملك صلاحية اتخاذ قرارات مصيرية، خصوصاً المتعلقة بأمن الناس وأمانهم، في بلد يرزح أكثر من 90 إلى 95% من سكانه تحت خط الفقر.
ويحذر مراقبون من أن استمرار هذه الإجراءات العشوائية والتعسفية سيقود إلى كوارث اجتماعية وأخلاقية وأمنية جسيمة، وسيفجر احتجاجات متزايدة إن لم يُتعامل معها بعقلانية، وسط دعوات إلى التراجع عنها ريثما يتم انتخاب حكومة وطنية شاملة منبثقة عن مؤتمر وطني جامع تمثيلي، تستند إلى دستور حضاري دائم وقوانين عصرية تنظم حياة جميع السوريين بلا استثناء.
ويرى ناشطون من أبناء الساحل أن تسريح الموظفين بشكل جماعي من أبناء المنطقة سيؤدي إلى تفاقم المجاعات والأزمات، وزيادة معدلات البطالة، وعمالة الأطفال، وارتفاع أعداد المتسولين ونبّاشي القمامة والمتسربين من التعليم، إضافة إلى ازدياد نسب الطلاق والجرائم بمختلف أشكالها، بما في ذلك جرائم القتل والخطف بقصد الفدية، وتجارة الأعضاء والمخدرات، ما يهدد بنية المجتمع وقيمه التي تشوهت بفعل الحرب وتداعياتها. ويحذر هؤلاء من أن هذه الشرائح المسرحة قد تتحول إلى قنابل موقوتة، وأن ما تفعله الإدارة الجديدة من تسريح تعسفي أو فرض إجازات قسرية أو استثناء المتقاعدين من زيادات الأجور، يتناقض بشكل صارخ مع تصريحات تحسين الوضع المعيشي والخدمي، ويقوّض فرص التنمية، ويعيق مساعي النهوض من قاع الفقر والتخلف، وصولاً إلى بناء سورية حرة مستقلة.