لكل السوريين

التجّار يسلبون مرابح مزارعي المشمش بريف دمشق

دمشق/ مرجانة إسماعيل

يعيش مزارعو المشمش في الحرمون الغربي بريف دمشق هذه الأيام بين أمل الخير وخوف الخسارة. فمع بداية موسم القطاف، تتناثر الحكايات بين صفوف الأشجار المثمرة، حكايات عن تعب عام كامل قد يذهب أدراج الرياح بسبب تقلبات الأسعار أو جشع الوسطاء. أبو محمود، مزارع في قرية بيت جين، يقف أمام أشجاره التي ورثها عن أبيه وهو يحسب تكاليف الموسم: “أنفقنا على الري والتسميد أكثر من 5 ملايين ليرة، والآن نخشى ألا نستعيد حتى نصف المبلغ”.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن منطقة الحرمون الغربي تنتج يومياً ما يقارب 150 طناً من المشمش خلال ذروة الموسم الذي يستمر لمدة ثلاثين يوماً. لكن هذه الأرقام تخفي وراءها معاناة حقيقية. ففي سوق الهال بدمشق، حيث يتكدس المشمش بأنواعه، يتحكم عدد قليل من الوسطاء بالأسعار وفقاً لأهوائهم. تقول أم ياسر، التي تبيع محصول عائلتها الصغير في السوق: “يشتري الوسطاء الكيلو منا بـ3000 ليرة ثم يبيعونه في المدينة بـ8000 ليرة. نحن نكدح عاماً كاملاً وهم يجنون الأرباح بلمح البصر”.

وتتنوع أصناف المشمش في المنطقة بين الكلابي الذي يخصص لعصير قمر الدين، والعجمي الذي يعد من أفخر الأنواع، والتدمري الذي يتميز بحجمه الكبير. لكن هذا التنوع لم يعد ضمانة للربح. فبحسب المهندس الزراعي خالد الحسن، فإن إنتاج هذا العام يعاني من تدني الجودة بسبب عوامل عديدة: “نقص الري وارتفاع درجات الحرارة المبكر تسببا بصغر حجم الثمار، كما أن بعض الآفات الزراعية أثرت على قسم كبير من المحصول”.

ويحاول المزارع أبو خالد في قرية جديدة عرطوز إيجاد حلول بديلة. بدأ مع مجموعة من الجيران بتجفيف جزء من محصولهم لصنع مشمش مجفف: “بهذه الطريقة نحمي أنفسنا من انهيار الأسعار في السوق. الكيلو المجفف يباع بأكثر من ضعف سعر الطازج”. هذه المبادرات الفردية تبقى محدودة في ظل غياب الدعم المؤسسي لصناعات تحويلية حقيقية يمكن أن تنقذ المزارعين من مخاطر السوق.

أما في معمل صغير لتعليب المشمش في منطقة صحنايا، فيعمل العشرات من الشباب على مدار الساعة لتحويل الفاكهة إلى عصائر ومربيات. يقول صاحب المعمل: “نشتري كميات كبيرة من المزارعين مباشرة بسعر أفضل من سوق الهال، لكن طاقتنا الإنتاجية محدودة”. مثل هذه المعامل تشكل شريان حياة للعديد من العائلات، لكنها لا تستطيع استيعاب كل الإنتاج الذي يضطر معظمه للخضوع لشروط الوسطاء.

وتكمن المشكلة الأكبر تكمن في سلسلة التسويق المعقدة. فالمزارع يبيع محصوله لوسيط، الذي يبيعه لتاجر جملة، الذي يوزعه على المحلات. في كل مرحلة يضاف هامش ربح جديد، بينما يبقى المنتج الأصلي – المزارع – يحصل على أقل القليل. يقول أبو رامي، وهو وسيط زراعي من منطقة قطنا: “نحن أيضاً نتحمل تكاليف النقل والعمالة والصناديق. هامش الربح الحقيقي لا يتجاوز 10% من السعر النهائي”.

في ظل هذه الأوضاع، يطالب المزارعون بوجود تدخل حكومي لتنظيم السوق. بعض المقترحات تشمل إنشاء جمعيات تعاونية تسويقية، وتوفير مخازن تبريد، وفتح منافذ بيع مباشرة للمستهلك. كما يناشدون الجهات المعنية بتوفير المدخلات الزراعية بأسعار مدعومة، خاصة أن سعر كيس السماد تجاوز مليون ليرة، وشبكات الري أصبحت باهظة التكلفة.

فالأمر لا يتعلق بالاقتصاد فقط، بل بثقافة زراعية متوارثة مهددة بالاندثار. فالكثير من الشباب في القرى بدأوا يهجرون الزراعة إلى أعمال أخرى. يقول الشاب معتز من بلدة ببيلا: “لماذا أعمل في الأرض طوال العام لأربح أقل من موظف؟ الأفضل أن أبحث عن عمل في المدينة”. هذا الاتجاه إذا استمر، قد يحول بساتين المشمش الشهيرة في ريف دمشق إلى مجرد ذكرى من الماضي.

- Advertisement -

- Advertisement -