شهدت محافظة السويداء، مؤخراً، انعقاد “مؤتمر السويداء العام” بدعوة من ناشطين اجتماعيين وسياسيين، وبمشاركة واسعة من شخصيات دينية ومدنية ومهنية ونقابية. تناول المؤتمر جملة من القضايا المحلية والسياسية، وركّز على مستقبل المحافظة في ظل الظروف الراهنة، خاصة بعد ما شهدته من حملات تحريض وخطابات كراهية.
ورغم غياب بعض القوى وانسحاب أخرى، إلا أن المؤتمر حظي بزخم شعبي كبير، عززته مباركة ومشاركة عدد من الهيئات الدينية، بينها مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز، والرئاسة الروحية للطائفة، ومطرانية بصرى وحوران وجبل العرب والجولان للروم الأرثوذكس، مؤكدين في كلماتهم على وحدة الصف والهوية الوطنية الجامعة لأبناء المحافظة.
ناقش المؤتمرون رؤية سياسية موحدة تنطلق من ثوابت وطنية وتدعو لحوار جدي مع الحكومة الانتقالية، بالاستناد إلى تمثيل ديمقراطي عادل وانتخابات حرة. كما عبّرت كلمات المشاركين عن رفض واضح لكل أشكال العنف والتطرف والطائفية، داعين إلى التهدئة والانفتاح على الحلول الوطنية الجامعة.
ودعت رسالة مغتربي السويداء إلى التمسك بالهوية السورية والانخراط في مشروع وطني جامع، وشددت على ضرورة تحكيم العقل والتفاهم لتحقيق مصالحة شاملة تحفظ كرامة المواطنين وتعيد الثقة بالمستقبل.
أهداف المؤتمر
بحسب اللجنة التحضيرية، سعى المؤتمر إلى تعديل الإعلان الدستوري بما يعكس تطلعات السوريين نحو دولة مدنية ديمقراطية تعددية، مع الحفاظ على وحدة البلاد ورفض أي نزعات انفصالية، واعتماد اللامركزية الإدارية كمسار إصلاحي لتعزيز مشاركة المجتمع في إدارة موارده.
كما ركّز المؤتمر على تعزيز الحوار بين مكونات المجتمع المحلي، وتقريب وجهات النظر من خلال جلسات علنية ومغلقة تُعقد لاحقاً، بهدف التوافق على الرؤية السياسية العامة، وتحديد شكل العلاقة المستقبلية مع الحكومة الانتقالية في دمشق.
وتم خلال الجلسات التأكيد على ضرورة أن يكون نظام الحكم في سوريا نابعاً من إرادة السوريين بالتوافق، وتنفيذ اتفاق الأول من أيار الماضي المتعلق بمحافظة السويداء، ورفض خطابات التحريض والكراهية التي تصاعدت مؤخراً.
حملت كلمات ممثلي القيادات الدينية رسائل واضحة حول وحدة الموقف الوطني وضرورة تفعيل الحوار وتثبيت الحقوق المشروعة لأبناء المحافظة.
فقد شدد الشيخ حكمت الهجري، عبر ممثله، على أهمية الحفاظ على وحدة الصف، مؤكداً أن المطالب المطروحة هي حقوق مشروعة وليست جديدة، وأن السوريين يطمحون لدستور حضاري يصاغ برؤية وطنية شاملة.
أما الشيخ يوسف جربوع، فدعا إلى دستور ديمقراطي، دولة مدنية، برلمان منتخب، فصل الدين عن الدولة، واستقلال القضاء، محذراً من الفوضى المنظمة التي تعم المشهد السوري.
بدوره، أكد الشيخ حمود الحناوي على ضرورة توحيد الجهود لإعادة دور السويداء الريادي، وتفعيل مؤسسات الدولة لخدمة المواطنين، وتحسين الأوضاع المعيشية، مع التأكيد على رفض التحريض الطائفي.
وفي السياق ذاته، شدد المطران أنطونيو السعد على أهمية الوحدة والعمل المشترك بين أبناء الوطن، انطلاقاً من قيم العيش المشترك واحترام التنوع.
اعتراضات وانسحابات
لم تخلُ أجواء المؤتمر من التوترات، إذ أعلنت حركة رجال الكرامة مقاطعتها، احتجاجاً على دعوتها بصفة “ضيف” دون منحها حق الترشح أو التصويت، معتبرة ذلك محاولة لإقصاء الصوت الحر.
وأوضحت الحركة في بيان أنها وافقت سابقاً على الحضور بعد اتفاق مع اللجنة التحضيرية على تمثيل عادل وكلمة رسمية، لكنها فوجئت بإلغاء الكلمة، ما دفعها إلى الانسحاب.
كما انسحب وفد حسن الأطرش، أحد أبرز الرموز التقليدية في المحافظة، احتجاجاً على ترتيب بروتوكولي اعتبره مهيناً، ما أدى إلى انسحابه من الجلسة، مطالباً باحترام الرموز والتمثيل المتوازن.
وعقب جلسات مطولة استمرت أكثر من 12 ساعة، أجريت انتخابات لاختيار الأمانة العامة التي ستتولى مهمة متابعة مخرجات المؤتمر والتواصل مع السلطات المحلية والحكومة الانتقالية.
وضمت الأمانة العامة 31 عضواً، بينهم 6 سيدات، على أن تُعلَن الوثائق السياسية والبيان الختامي في وقت لاحق.
وفي ظل تطورات المشهد السوري، اعتُبر المؤتمر محاولة جدية لتشكيل رؤية محلية متقدمة تحاكي هموم المحافظة وتضعها ضمن مسار وطني شامل، مع التأكيد على ضرورة استكمال الحوار والانفتاح على كل القوى الوطنية دون إقصاء.