تقرير/ مرجانة إسماعيل
تشهد سوريا خلال العام الجاري موجة عودة غير مسبوقة للاجئين والنازحين، حيث تشير تقديرات المنظمات الدولية إلى عودة أكثر من 1.4 مليون شخص إلى مناطقهم الأصلية، رغم ما تعانيه البلاد من دمار واسع في البنية التحتية وتراجع حاد في الخدمات الأساسية.
وتأتي هذه العودة في وقت لا يزال فيه الاقتصاد السوري يعاني من آثار كارثية خلّفتها سنوات الحرب. فقد خسر الاقتصاد نحو 84% من حجمه منذ عام 2011، في حين تُقدّر الخسائر التراكمية بنحو 800 مليار دولار. يعيش اليوم نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر، بينما تبلغ معدلات البطالة حوالي 15%، وسط مؤشرات على مزيد من التدهور في العام المقبل.
العائدون يواجهون ظروفاً صعبة للغاية. فحوالي 40% من المنازل إما مدمرة كليًا أو غير صالحة للسكن، ويعانون من نقص حاد في الكهرباء والمياه. تعمل شبكة الكهرباء بطاقة لا تتجاوز 25% من قدرتها، بينما تسجل شبكات المياه تراجعاً بنسبة 40% مقارنة بفترة ما قبل الأزمة. في القطاع الصحي، لا تعمل سوى 37% من مراكز الرعاية بكامل طاقتها.
ورغم هذه المعوقات، فإن العودة تحمل في طياتها مؤشرات إيجابية. كثير من العائدين عادوا بخبرات ومدخرات يمكن أن تسهم في تحريك عجلة التعافي المحلي. كما أن التحويلات المالية من المغتربين السوريين، والتي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنويًا، تشكل شريان دعم اقتصادي للأسر والمجتمعات المحلية.
في المناطق الريفية، بدأ العائدون بإعادة إحياء أراضيهم الزراعية رغم ضعف الإمكانيات، فيما تسجل المدن الكبرى انتعاشاً محدوداً في قطاعات التجارة والخدمات، مع تحسن نسبي في حركة الأسواق.
لكن التحديات ما زالت هائلة. أزمة السكن تتفاقم مع ارتفاع الطلب، ما أدى إلى زيادة الإيجارات بنسبة تجاوزت 300% في بعض المناطق. كما أن سوق العمل غير قادر على استيعاب أعداد العائدين الباحثين عن فرص، في ظل غياب مشاريع استثمارية كبيرة.
الحكومة السورية الانتقالية تواجه اختباراً صعباً في توفير الخدمات الأساسية. البنية التحتية للمياه والصرف الصحي تعمل بنصف طاقتها على الأكثر، والمدارس تعاني من اكتظاظ حاد، حيث يصل عدد الطلاب في بعض الصفوف إلى أكثر من 60 تلميذاً.
وعلى الصعيد الدولي، تبدو الاستجابة ضعيفة. فخطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لعام 2024 لم تحصل سوى على 12% من التمويل المطلوب، ما يهدد بإغلاق عدد من المدارس والمراكز الصحية التي تعتمد على الدعم الخارجي.
في القطاع الزراعي، ورغم تحسن الوضع الأمني في بعض المناطق، يواجه العائدون عقبات مثل نقص البذور والأسمدة، وارتفاع كلفة الري، وتراجع موثوقية الزراعة البعلية بسبب تغيرات المناخ.
أما التعليم، فيمر بأزمة حادة مع عودة مئات الآلاف من الطلبة إلى مدارس متهالكة تعمل بنظام الفترتين أو الثلاث، وتفتقر إلى المعلمين والمستلزمات الأساسية.
مع ذلك، يبدي العائدون إرادة واضحة في إعادة بناء حياتهم. الكثيرون بدأوا مشاريع صغيرة اعتماداً على مدخراتهم المحدودة، في محاولة لإنعاش مجتمعاتهم وإعادة الأمل إلى الأحياء التي دمرتها الحرب.
ويظل مستقبل العودة معلقاً على قدرة الحكومة في توفير الحد الأدنى من الخدمات، وعلى مدى تجاوب المجتمع الدولي مع الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، إلى جانب استمرار تحسن الوضع الأمني. لكن الأهم من ذلك، هو العزيمة التي يبديها السوريون لإعادة إعمار وطنهم رغم المصاعب.