لكل السوريين

متحف حلب الوطني.. كنز أثري طوته الحرب وينتظر العودة إلى الحياة

حلب/ خالد الحسين

في قلب مدينة حلب، إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم، يقف متحف حلب الوطني كشاهد على ذاكرة حضارية ضاربة في عمق التاريخ، حاملاً بين جدرانه آلاف القطع الأثرية التي توثق تعاقب الحضارات على شمال سوريا منذ آلاف السنين. افتُتح المتحف عام 1931، ليصبح أحد أبرز المعالم الثقافية والأثرية في البلاد، جامعاً بين أروقته مقتنيات تعود لعصور متعددة، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ، وصولاً إلى الحقبة الإسلامية والعثمانية.

وقد احتوى المتحف على كنوز نادرة، من بينها تماثيل حجرية من تل حلف، وألواح طينية بالخط المسماري من مملكة إيبلا، وفسيفساء رومانية، وأدوات جنائزية، ومجوهرات، ومكتشفات معمارية ذات قيمة علمية استثنائية. ومع ذلك، لم يسلم هذا المعلم التاريخي من تبعات النزاع المسلح الذي اندلع في سوريا منذ عام 2011.

مع اتساع رقعة القتال في حلب، تعرض المتحف لأضرار مادية جسيمة، ما أدى إلى توقفه عن استقبال الزوار، بينما سارعت مديرية الآثار والمتاحف إلى نقل غالبية مقتنياته إلى أماكن أكثر أمناً. ورغم هذه الإجراءات، فُقدت مئات القطع الأثرية، التي ظهرت لاحقاً في مزادات دولية أو ضمن مجموعات خاصة في الخارج، لتكشف عن حجم الضرر الذي لحق بالإرث الثقافي السوري. وانتشرت صور هذه القطع، التي كانت تُعرض داخل المتحف، على الإنترنت مرفقة بعروض بيع غير قانونية، مثيرةً موجة استياء واسعة.

في محاولة لإنقاذ ما تبقى، أطلقت منظمات محلية ودولية عدة حملات لإعادة تأهيل المتحف والحفاظ على آثاره، من بينها منظمة “التراث للجميع” التي بدأت مؤخراً مشاريع توثيق رقمي للقطع المسروقة، بالتعاون مع مؤسسات دولية مختصة. ورغم هذه المبادرات، لا تزال جهود الترميم تواجه تحديات كبيرة في ظل غياب الدعم الرسمي، وضعف الميزانية، وغياب خطة وطنية شاملة لحماية التراث.

يعاني المتحف من إغلاق تام منذ أكثر من عقد، دون أي إعلان رسمي عن موعد لإعادة افتتاحه أو خطة لإعادة تأهيل كوادره الفنية والعلمية. وتشير الوقائع إلى أن العديد من المتخصصين في علم الآثار تم نقلهم إلى وظائف لا علاقة لها بتخصصهم، ما زاد من تعثر جهود الإنقاذ.

ويؤكد خبراء في التراث أن إعادة إحياء المتحف لا تتطلب تمويلاً فقط، بل تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لإدماج الثقافة في عملية إعادة الإعمار. وتشمل الحلول المقترحة إنشاء هيئة مستقلة تُعنى بالتراث الثقافي وتتمتع بصلاحيات تنفيذية وميزانية خاصة، بالإضافة إلى تفعيل التعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث لتأهيل الكوادر الجديدة في مجالات الترميم والصيانة. كما يبرز دور التكنولوجيا الرقمية في عمليات التوثيق، التي تساعد على تتبع القطع المسروقة وتأكيد ملكية سوريا لها أمام المحافل الدولية.

وفي جولة ميدانية حول أسوار المتحف، التقت صحيفة “السوري” مع علي حميد، أحد العاملين السابقين فيه، الذي قال إن المتحف كان يستقبل الزوار من جميع المحافظات السورية إضافة إلى سياح أجانب، معرباً عن أمله في أن يعود هذا المعلم الثقافي إلى سابق عهده ويصبح مجددًا قبلة للزوار.

يقف متحف حلب الوطني اليوم كرمز لذاكرة حضارية تناضل ضد النسيان، وشاهد على ما فقدته المدينة من روح وهوية. ورغم أن الطريق نحو إعادة افتتاحه لا يزال طويلاً، إلا أن حضوره في وجدان السوريين وإصرار المهتمين بالحفاظ على إرثهم الثقافي، يؤكد أن التاريخ قد يضعف صوته، لكنه لا يموت.