درعا/ إبراهيم النجار
تزخر الأرض في محافظة درعا جنوب سوريا، بتاريخ يمتد لآلاف السنين، مع مواقع أثرية تعود إلى مختلف الحقب الزمنية، من العصور البرونزية والرومانية إلى الإسلامية. لكن هذه الكنوز التاريخية أصبحت في مرمى التنقيب العشوائي والتهريب، وسط غياب تام للرقابة وسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
مواقع أثرية تعرضت للتدمير والتخريب:
درعا، المعروفة بثرائها التاريخي، تحتوي على مواقع أثرية مهمة تُعتبر شاهداً على الحضارات التي مرت على المنطقة. خلال سنوات الحرب، تعرضت هذه المواقع للقصف والتخريب والتنقيب غير المشروع..
تأثير التنقيب على الهوية الثقافية للبلد
يقول السيد نضال المسالمة، أبو عمران، الباحث الأثري والمؤلف لعدّة كتب حول تاريخ حوران، مسلطاً الضوء على خطورة الظاهرة “التنقيب العشوائي لا يسرق فقط القطع الأثرية، بل يدمر السياق التاريخي الذي يمكن من خلاله فهم هذه الحضارات. عندما تُفقد قطعة أثرية، نفقد معها جزءاً من هويتنا الجماعية وتاريخنا المشترك. المواقع في درعا، مثل بصرى الشام وتل الأشعري، هي شواهد على وجودنا وثقافتنا. تدميرها يعني تدمير جزء من الهوية السورية”
شهادة لأحد المنقّبين
في لقاء مع “أحمد” وهو اسم مستعار لأحد المنقبين المحليين في درعا، تحدث عن معاناة السكان المحليين ودوافعهم للتنقيب: “البحث عن الآثار ليس خياراً سهلاً، ولكنه أصبح وسيلة للبقاء على قيد الحياة. نحن نعيش في ظل أوضاع اقتصادية كارثية، ولا نجد بديلاً لتأمين لقمة العيش. ندرك أن التنقيب يدمر تاريخنا، لكن الفقر والبطالة دفعانا لاتخاذ هذا الطريق”.
مسؤولية المجتمع المحلي
يقول السيد عبد الرحمن الحوراني، أحد أعيان المجتمع المحلي في مدينة طفس في الريف الغربي من محافظة درعا، في تصريح خاص لصحيفتنا “نحن كأبناء درعا نتحمل جزءاً من المسؤولية في حماية إرثنا التاريخي. صحيح أن الفقر دفع البعض للتنقيب، لكن هذه الكنوز هي هويتنا وتاريخ أجدادنا. يجب أن نتكاتف لنحمي ما تبقى من آثارنا من أيدي العابثين والمهربين. لقد بدأنا في بعض القرى بمحاولات لتنظيم حملات توعية بين الشباب، ونعمل على توجيههم نحو بدائل أخرى يمكن أن توفر دخلاً بعيداً عن التنقيب غير المشروع”.
وأشار الحوراني إلى أهمية دور المجتمع المحلي في التصدي لهذه الظاهرة، مضيفاً: “المجتمع هو خط الدفاع الأول عن الآثار. إذا وعى الأهالي أهمية هذه المواقع، فلن يسمحوا لأي شخص بتدميرها أو سرقتها. نحن بحاجة لدعم دولي ومحلي لخلق فرص عمل ولإعادة الأمل لشبابنا، فالأزمة أكبر من أن يتحملها المجتمع وحده”.
من أبرز هذه المواقع التي تعرضت للتدمير “تل أم حوران”. أحد أهم المواقع الأثرية في نوى بدرعا، ويعود تاريخه إلى العصور البرونزية، حيث يضم بقايا أثرية تعكس تطور الحضارات القديمة. تعرض التل للتنقيب العشوائي باستخدام أدوات ثقيلة، مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه.
بصرى الشام
تضم المدينة القديمة والمدرج الروماني، أحد أهم معالم سوريا المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو. رغم أهميته، تعرض المدرج والمدينة لأضرار جراء القصف، إضافة إلى عبث المنقبين الذين دمروا أجزاء من الموقع بحثاً عن الكنوز..
تل شهاب
تحتوي البلدة على بقايا من العصور الرومانية والبيزنطية والإسلامية. تعرض للتخريب والتنقيب غير الشرعي والقصف، مما أدى إلى فقدان معالم أثرية هامة فيه.
خربة غزالة
تضم البلدة آثاراً رومانية وبيزنطية، تعرضت للقصف خلال العمليات العسكرية. بعد الدمار، أصبح هدفاً للمنقبين الذين استغلوا الفوضى الأمنية لنهب القطع الأثرية وبيعها…
خطوات لحماية إرث درعا التاريخي: لحماية المواقع الأثرية، قدم الباحث نضال شرف توصيات عدة:
تحسين الأوضاع المعيشية والتعليمية للحدّ من لجوء السكان إلى التنقيب العشوائي.
تنظيم حملات توعية مجتمعية لتعزيز ثقافة حماية الآثار.
تشكيل فرق محلية ودولية لمراقبة المواقع الأثرية.
تعزيز التعاون الدولي عبر مؤسسات مثل اليونسكو لترميم المواقع المتضررة.
محاسبة المسؤولين عن التخريب والاتجار غير المشروع بالآثار.
الخلاصة: كنوز في خطر
ما يحدث في درعا ليس مجرد سرقة أحجار، بل هو انهيار للهوية الثقافية السورية. التنقيب غير المشروع لم يعد جريمة أفراد، بل ظاهرة تغذّيها الحاجة والفوضى، وتتطلب استجابة وطنية ودولية عاجلة.