لكل السوريين

كانت ولا تزال من عبق التاريخ.. كيف كان بناء مدينة (الرافقة) “الرقة”؟

إعداد/ الباحث محمد عزو 

كتابة تاريخ بناء مدينة الرافقة “الرقة” العباسية يحتاج إلى معرفة دقيقة بالجغرافية والطبوغرافية التاريخية، وامتلاك ذهنية المؤرخ والآثاري كي تكون النتائج صحيحة وفق ما أبانته الحفريات الأثرية.

بناء الرافقة “الرقة”: قبل أن تستلم الدولة العباسية دفة الحكم من الأمويين، كان “المنصور” قد عرف “الرقة البيضاء” معرفة جيدة ورأى أن أغلب المدن الأموية لم تكن محصنة بالأسوار إلا ما ندر، لذلك أمر الخليفة “المنصور” ببناء مدينة جديدة قرب “الرقة البيضاء” على بعد/ 300/ ذراع غربي” الرقة” القديمة وأن نسمى “الرافقة” أي رفيقةً ل”لرقة البيضاء”.

وطلب من ابنه “المهدي” أن تكون دائرية الشكل لتكون توأماً لمدينة “بغداد” المدورة، فأمر “المنصور” بتشييدها سنة (155هج _ 772م) وأن يكون سورها دائري على شاكلة سور مدينة” بغداد” ، ألا أن المعمار “أدهم بن محرز” الذي وضع مخطط “الرافقة” رأى أنه لا يمكن للدائرة أن تكتمل، فاتخذ السور شكل حذوة الحصان، وذلك لأن الضلع الجنوبي للسور يشاطئ نهر “الفرات” ويلامسه، وبذلك لم يتطلب الأمر اقامة سوراً مضاعفاً وحَفْر ْخندق مائي من هذه الجهة.

وكان سور “الرافقة” مضاعفاً في الجهات الثلاثة الأخرى، يحيط بهما خندق مائي عمقه ثمانية آمتار وعرضه في الآعلى/16م/ وفي القاع/8 م/، كان هذا الخندق يزود بالماء من قناة النيل التي جددها الخليفة “هارون الرشيد”.

وحسب ما ذكره المؤرخون المسلمون وما أظهرته التنقيبات الأثرية التي نفدت في “الرافقة” منذ عام/1942م/ للسور ثلاثة أبواب فقط هي باب “السبال” الذي أطلق عليه أهل “الرقة” اسم باب “بغداد” الواقع في الزاوية الجنوبية الشرقية، وباب “حران” الواقع في أقصى الشمال من محور الدائرة، وباب “الجنان” الواقع في الزاوية الجنوبية الغربية مكان “الكلة” التي أزيلت في نهاية خمسينات القرن العشرين، و”الكلة” هي البرج الذي كان يقع خلفه باب “الجنان”، وهو يشبه البرج الكبير الذي يقع خلف باب “بغداد” من جهة الغرب.

وللسور الرئيس طاقات نفذت في بدنه ووظيفتها تحقيق نوع من حرية الحركة والاتصال ما بين المرابطين على السورين. وكان ل”الرافقة” قصر يسمى قصر الأمارة ومسجد” المنصور”، وضمن هذه الأسوار جنوب شرقي المدينة يقع قصر “البنات”، والتسمية محلية، وشكل المبنى يشير إلى أنه مبنى كان له وظيفة خدمية كأن يكون “بيمارستان” للعلاج، وشكل المبنى الحالي يعود إلى عهد الدولة “الزنكية”.

ويتألف المبنى من باحة مركزية تطل عليها أربعة إيوانات، وله ثلاثة مداخل صغيرة تقع في الجنوب والغرب ومدخله الرئيس يقع في الجنوب، تقابله في أقصى الشمال صالة ورائها حجرة لها باب واسع نسبياً له قوس مدبب، وإلى جانبيها حجرتان أصغر حجماً لهما أقواس مدببة على الطراز العباسي، وتطل الصالة على باحة ورواقين، تفصل بينهما أعمدة من الحجر منقولة من مبنى من العصر المسيحي، ويمتد المبنى شرقاً وغرباً بطول مئة متر، وشمال جنوب بعرض أربعة وأربعين متراً، وقبل التنقيب في القصر تعرض إلى أعمال نهب بحثاً عن الخزف الرقي الشهير.