لكل السوريين

عياض الأحمدي.. الصين تخطو خطوها للوصول إلى حل بين ايران والسعودية

حاوره/ مجد محمد

أعلن في الشهر الماضي آذار/مارس، في بكين العاصمة الصينية، خلال بيان ثلاثي مشترك بين الصين وإيران والسعودية، عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الأخيريتين (السعودية وايران)، برعاية صينية، وبعدها رأينا تطبيقات واقعية في ما بعد الاتفاق من خلال زيارات حكومات البلدين لبعضهما واعادة فتح السفارات، وكذلك تأثيره على سوريا حليفة ايران وتقوية علاقتها مع السعودية.

وللحديث عن هذا الشأن، عقدت صحيفتنا لقاءاً مطولاً مع المحامي والحائز على درجة الماجستير في القانون الخاص الاستاذ عياض الاحمدي، ودار الحوار التالي:

*استاذ عياض مرحباً بك بداية، جميعنا نعلم عن الخلاف الابدي بين السعودية وايران، ما هي اسباب وجذور هذا الخلاف؟

بداية كقاعدة عامة يجب ان تعلم ان السعودية هي راعية الطائفة السنية بالعالم وايران راعية الطائفة الشيعية، وهم على خلاف دائم، لذلك الخلافات ستستمر إلى الابد حتى وان كانت لا تظهر للجميع احيانا، وإن هذا الاتفاق المبدئي جاء بعد قطيعة استمرت سبعة أعوام بين البلدين، حيث بلغ فيها التوتر والنزاع أوجه، بعد انقطاع العلاقات بينهما منذ عام ٢٠١٦ عقب هجوم متشددين موالين للنظام الإيراني على السفارة والقنصلية السعودية في طهران، على خلفية إعدام السعودية أحد أبرز رجال الدين الشيعة، وهو نمر النمر الذي اعتقل في ٢٠١٢ في خضم اندلاع ثورات الربيع العربي في المنطقة، وتهمتها السعودية بالإرهاب والتشجيع على المظاهرات ضد الحكم في المملكة وحمل السلاح، ونفذت السعودية حكم الإعدام على الرغم من التحذيرات الإيرانية من مغبة إعدامه.

اما جذور الخلاف بين البلدين عميقة كما ذكرت لك سابقاً، وهي خلافات سياسية ومذهبية وعرقية على مر التاريخ، وتعود إلى القرن السابع الميلادي بعد هزيمة الجيوش الإسلامية للفرس، ونشر الإسلام في بلاد فارس، كما تعود أيضاً كما هو معروف إلى الخلاف حول أحقية الخلافة لعلي بن أبي طالب وأبي بكر.

*استاذ احمدي، ليس من المعقول ان الخلاف فقط عقائدي وعلى مشكلة حصلت قبل ١٤٠٠عام؟!

بالتأكيد، هذا هو اصل الخلاف، ومن هذا الاصل تولدت خلافات عدة في الواقع الحديث ومنها: إعدام السعودية أحد الحجاج الإيرانيين، بعد أن اتهمته برمي القاذورات داخل الحرم المكي وشتم النبي والصحابة، فيما برّرت إيران إصابته بدوّار وتقيّؤه أثناء الطواف، وأدت هذه الحادثة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام ١٩٤٣ لتعود مجدداً عام ١٩٤٦، وكذلك توتر العلاقات بين البلدين نتيجة اعتراف الشاه بإسرائيل عام ١٩٥٠، وايضاً سقوط الشاه، وتأسيس الجمهورية الإسلامية المبنية على أسس وركائز شيعية، تهدف إلى السيطرة على العالم الإسلامي وقيادته، وإسقاط الأنظمة الملكية العربية، وتصدير نموذج الثورة الإسلامية إلى البلدان المجاورة وغيرها العديد من الخلافات كالحرب العراقية-الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات (١٩٨٠_١٩٨٨) ودعم السعودية للعراق ضد إيران ومقتل أكثر من ٤٠٠ شخص، معظمهم إيرانيون عام ١٩٨٨، وذلك نتيجة صدامات بين الشرطة السعودية وحجاج إيرانيين تسببت بأعمال تخريبية، بعد خروج الحجاج في تظاهرات مؤيدة للجمهورية الإسلامية، تنادي بالموت لأمريكا وترفع صور للخميني، وعادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام ١٩٩٠.

*وفي الوقت الراهن رأينا ايضا مخاوف سعودية بهذا الشأن وتتعلق بسوريا والوطن العربي شاهدنا، ما هي؟

كان إطلاق الولايات المتحدة يد الجماعات الشيعية الموالية لإيران في العراق، بعد إسقاط نظام صدام حسين ٢٠٠٣، سبباً في تخوف السعودية من وجود مخطط إيراني يستهدف المنطقة العربية، وما عزز المخاوف السعودية وأدى إلى زيادة حدة التوتر بين طهران والرياض، هو التدخل الإيراني لصالح قوات النظام السوري إبان اندلاع الحراك الشعبي في سوريا عام ٢٠١١، وبالتالي اندلاع حرب بالوكالة بين الطرفين على الأرض السورية، وكذلك اندلاع المظاهرات في البحرين في العام نفسه، واتهام السعودية إيران بتأجيج الاحتجاجات.

أما حدة التوتر والصراع بين الطرفين، فبلغت أوجها خلال الحرب اليمنية ودخول إيران على خط الصراع ودعم الحوثيين بشكل كبير، ما دفع دول الخليج إلى تشكيل التحالف العربي بقيادة السعودية، وخوض حرب استنزاف في اليمن ضد الحوثيين الموالين لإيران، وايضاً كان توقيع الاتفاق النووي، بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠١٥، أحد اكبر المخاوف السعودية من تنامي القوة الإيرانية وتشكيلها تهديداً لأمن السعودية، وقد مارست السعودية مع أطراف أخرى، مثل إسرائيل، ضغوطات كبيرة على إدارة ترامب لإفشال هذا الاتفاق، وبالفعل تم تعطيل الاتفاق عام ٢٠١٨، تلا ذلك تأجج لحدة الخلاف بين البلدين بعد الاستهدافات المتكررة من قِبل إيران لمنشآت حيوية في الخليج العربي، وكان أبرزها الهجوم على منشأة أرامكو السعودية التي تضم أكبر معمل لتكرير النفط في العالم، عام ٢٠١٩.

*بعيدا عن الخلافات الفائتة، الصين كانت راعية الاتفاق، ما دوافعها من ذلك؟

الاتفاق فرصة للصين لإبراز دورها كقوة دولية قادرة على حل المشاكل والتوترات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، وهي ترسل بذلك رسالة للولايات المتحدة بأنها قوة سياسية منافسة أيضاً لا يستهان بها، وأن بإمكانها أن تتبوأ دوراً قيادياً في منطقة الخليج العربي التي تعتبر منطقة نفوذ أمريكية، وتريد الصين إحلال الاستقرار والتهدئة في منطقة الخليج العربي، لخلق بيئة آمنة لاستثماراتها الكبيرة التي تطمح إليها، حيث كان النزاع السعودي_الإيراني من أكبر التحديات أمام إتمام الصين لصفقاتها في دول جنوب الخليج وإيران، وهي تريد أن تبدأ بتنفيذ اتفاقية الـ ٢٥ عاماً مع إيران التي من المقرر أن تستثمر فيها الصين ٤٠٠ مليار دولار في مختلف القطاعات الحيوية والبنى التحتية في إيران، وكذلك الصين تريد تعزيز علاقاتها مع إيران، وإعاقة مساعي الولايات المتحدة والغرب من التوصل إلى أي اتفاق مع إيران من شأنه إحداث أي تقارب بينهما على الصعيدين السياسي والاقتصادي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تسعى الصين إلى جذب السعودية التي تعتبر حليفاً للولايات المتحدة أكثر إلى الحلف المناهض للحلف الغربي، مستغلة بذلك الفتور في العلاقات الأمريكية-السعودية.

*ذكرت لنا دوافع الصين راعية الاتفاق، ولكن ما هي مصالح كل من ايران والسعودية وهم اصل وجذر الخلاف المستدام منذ القدم؟

الدوافع كثيرة وسأذكرها لك باختصار، فبالنسبة لإيران، فأن اشتداد الضغوطات الداخلية والخارجية عليها، في ظل حركة الاحتجاجات الداخلية المطالبة بتغيير النظام الإسلامي، وفي ظل حالة العزلة الدبلوماسية الإقليمية، والضغوطات الدولية عليها من كل صوب وحدب، وعلى وجه الخصوص بسبب تقديم الدعم العسكري لروسيا في الحرب الأوكرانية، وأيضاً ملفها النووي، وانسداد أفق التوصل إلى أي اتفاق فبعد أن أصبح تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول اكتشاف ذرات يورانيوم مخصبة بنسبة ٨٤%، وهي نسبة قريبة جداً من صنع القنبلة النووية التي تبلغ ٩٠%، محل اهتمام وتركيز الدول الغربية، تلمست إيران توجهاً دولياً لإدانتها عبر مجلس حكام الوكالة، ونية المجتمع الدولي على فرض حصار شامل على إيران من خلال إعادة العقوبات الأممية عليها ما قبل اتفاق ٢٠١٥.

ولهذا السبب فإن إطلاق مفاجأة من هذا النوع ستخلط الأوراق قليلاً، وسترغم خصومها على مراجعة حساباتهم، للبدء بخطط جديدة تكون ذات فاعلية أكبر تجاه إيران، وهذا بدوره يستغرق وقتاً لا بأس به، وهو ما يحتاجه النظام الإيراني في الوقت الراهن، أي المزيد من الوقت وتخفيف الضغوطات الخانقة عليه، ليبتكر هو أيضاً سبلاً جديدة للمناورة، وكذلك محاولته السيطرة على الحراك الداخلي، سيما وأن إيران كانت تتهم السعودية بتأجيج حركة الاحتجاجات الشعبية الإيرانية، وكانت المملكة سبّاقة في تغطية هذا الاحتجاجات وتعرية ممارسات النظام الإيراني ضد المتظاهرين وقمعهم، وهذا الاتفاق مهم للسعودية أيضاً، التي تنظر إلى نفسها كلاعب سياسي واقتصادي إقليمي مهم في الشرق الأوسط، نظراً للمكانة التي تتمتع بها بين الدول العربية والإسلامية، ولكونها محط أنظار القوى الكبرى، التي تسعى إلى كسبها إلى جانبها في صراعها على النفوذ في هذه المنطقة، وتهدئة التوتر المزمن مع إيران، بعد وصولها إلى قناعة بعدم جدوى وسائل الحرب بالوكالة ضد إيران، ولا سيما في اليمن، التي وضعتها مع دول التحالف العربي في موقع تصعيدي خطير مع إيران، وإبعاد القلاقل الأمنية التي يتسبب بها صراعها مع إيران، والتركيز على المشاريع التنموية والنهضوية التي تخطط لها، وإبطال مفعول التهديدات الإيرانية التي تؤثر سلباً على هذه المشاريع.

*سوريا، هل نالها نصيب من هذا الاتفاق؟

بالتأكيد، هذا الاتفاق جاء كبادرة صلح بين الدولتين، ولكن حمل في طياته انفراجات لسوريا ، فأيران هي صاحبة كلمة البت في سوريا، وما بعد الاتفاق شاهدنا اعادة فتح السفارة السعودية بدمشق، وكذاك زيارة وزير الخارجية السوري والسعودي لبعضهم في البلدين، وكذاك مساعي السعودية الجبارة لإعادة سوريا لجامعة الدول العربية، كل هذا لم يأتي من فراغ، فهذا حصل لسوريا كله بفضل الاتفاق المذكور.

*ختاما، برأيك هل الاتفاق بين البلدين سيستمر ام ستعود الخلافات؟، وكلمة اخيرة، المجال مفتوح لك..

ربما يكون من المبكر الجزم بمدى نجاح هذا الاتفاق، وهذا يتعلق بمدى جدية والتزام إيران المعروفة بالتنصل من التزاماتها متى ما ارتأى الساسة الإيرانيون ذلك، وأيضاً يتعلق نجاح الاتفاق بالمتغيرات الدولية التي قد تطرأ خلال هذه الفترة، لكن حتى لو نجح الاتفاق وعاد التمثيل الدبلوماسي بين طهران والرياض، فإن استمرار هذه العودة سيكون إلى حين، وهذا الأمر يعرفه الخصمان التاريخيان حق المعرفة، نظراً لعدم اقتصار الخلاف السعودي- الإيراني على مشكلة واحدة، فالمشاكل بينهن كثيرة.