لكل السوريين

المونة المنزلية.. مستلزمات بحاجة إلى قرض

تقرير/ سلاف العلي

تتجهز العائلات الساحلية بطقس فصلي توارثته منذ ازمة قديمة، ما يعرف بالمونة، تقليد قديم، يبدأ فيه اهل الساحل السوري بشراء كميات كبيرة من خضروات وفواكه الصيف، بغية تخزينها لفصل الشتاء، حيث تنقطع تلك الخضروات، أو تكون أسعارها باهظة الثمن، لكنه اليوم بات من ذكريات الماضي، أو حكرا على الأغنياء فقط، وتتنوع طرق التخزين بين التجفيف والطبخ أو التبريد، لكن الانهيار الاقتصادي والأوضاع المعيشية القاسية التي تخيم على حياة البشر، جعلت من هذا التقليد السنوي، عادة منقرضة.

فاليوم البشر يفكرون فقط في كيفية تأمين وجبتهم التالية، أما مسألة تموين الخضروات لفصل الشتاء فلم تعد تخطر في بال كثيرين، ربما لا يزال بعض الميسورين يحافظون على تلك العادة، لكنهم على أية حال يستطيعون الشراء في الصيف والشتاء، فسنوات الحرب لم تخلف الا كوارث اقتصادية مباشرة على حياة المواطنين، بات تأمين مستلزمات الحياة اليومية أمرا شبة مستحيل، بسبب الغلاء الفاحش وانهيار سعر صرف الليرة السورية، مقابل انخفاض متوسط الدخل، وأصبحت أسعار المواد التموينية والاستهلاكية والفواكه والخضروات مرتفعة إلى حد كبير، ووصلت إلى مبالغ غير منطقية مقارنة برواتب الناس وأجورهم الشهرية، وصارت حاجات المواطنين تميل إلى الاختصار الشديد، والسؤال البسيط والمعقد: كيف يمكن للموظف أو العامل اليوم أن يقوم بتخزين الخضروات للشتاء وهو في موسمها بالصيف غير قادر على شراء كميات تكفيه منها للاستهلاك اليومي؟.

السيد أبو صابر وهو تاجر في السوق بوسط اللاذقية يقول: استنادا إلى خبرتي الطويلة بحركة البيع في السوق، فالمواطن هذه الايام، لم يعد يتحسر على ما يسميها سنوات الخير والبركة لأنها باتت أشبه بالأحلام التي انقضت، إنما الان صار يتحسر في كل سنة على السنة التي سبقتها، بل وصار يتحسر على الأسبوع الماضي، وأسعار ليلة البارحة، فالأسعار يمكن أن تتبدل خلال اليوم الواحد أكثر من مرة.

المونة هي كل أنواع الأطعمة التي يحفظها اهل الساحل في أوقاتها الموسمية الطبيعية لضمان وجودها عند الطلب شتاء، وتشمل كلمة المونة الخضروات والبقوليات والمخللات والمربيات والحبوب والنباتات والأعشاب، على الرغم من الصعوبات المادية وتردي المستوى المعيشي للمواطن، وبعيدا من عصر السرعة في شراء المنتجات الغذائية المعلبة فاقدة المذاق والمضمون والشكل، لا تزال البيوت الساحلية تحاول تخزين بعض المواد الغذائية.

السيدة رباب تقول كنا نبدأ بالجبنة والألبان في بداية الصيف، ونجتمع الاهل ونتساعد في إعداد مشتقات الألبان، ثم نقوم بغلي الجبنة وتخزينها بالماء والملح وإضافة حبة البركة والمسكة إليها، وتتراوح كمية التخزين من عشرة إلى عشرين كغ كحد أدنى لكل أسرة، وننتقل من صنع الجبن إلى تصفية اللبن الرائب من الماء بوضعه في قماش قطني يصفى جيدا فيعطي اللبنة، وهنا نقوم بإضافة الملح المناسب، ثم نقطعها على شكل كرات ونضيف زيت الزيتون حتى تغمر جيدا، إضافة الى تخزين السمن العربي والزبدة وزيت الزيتون، كل هذه المواد تنطبق عليها كمية التخزين نفسها لتكون كافية للأسرة فترةً طويلة، وكانت مونة المربيات تحتل مرتبة مهمة جدا في مونة البيوت الساحلية، فصناعتها تحتاج إلى دقة في معايير السكر وطريقة الطهو، كـالتوت والورد والمشمش والكرز والفريز والنارنج والباذنجان والسفرجل إلخ، ومع اشتداد حرارة الصيف يأتي موسم المكدوس الذي هو عبارة عن باذنجان يسلق ويملح ويحشى بالجوز والفليفلة الحمراء، إضافة إلى الثوم لينتهي به الأمر بوضعه في قطرميز مغمور بزيت الزيتون، ويعد المكدوس أكلة شعبية ملكية بامتياز، فيه كثير من الفوائد، وهو أحد أهم الأصناف المغذية التي تؤكل في كل وقت.

اما السيدة ام جعفر فقد اضافت: كنا سابقا نقوم بإعداد السوركة أو ما يدعى الشنكليش، هو عبارة عن لبنة جافة تماما تخلط بالملح والفليفلة الحمراء والنعناع اليابس والشمر، ثم تجفف تماما وتغطى بالزعتر اليابس، اما الجزء الأكبر من المونة فيقوم على التيبيس، تعد عملية التيبيس أهم العمليات المستخدمة في عملية تخزين الطعام، وتشمل عددا من أصناف الخضراوات والفواكه، حيث يجري نشر الخضروات ليجف بعضها، وليذبل بعضها، ولتخزن بعد ذلك، وكنا نخزن البقول كالفول والحمص والعدس والفاصولياء والبازلاء بالتيبيس في أماكن جافه ومظلمة، ويجري حفر الكوسا والباذنجان وتيبيسهما على الخيط، إضافة لتيبيس النعناع والفليفلة ، كذلك الأمر مع التين، والزبيب والجوز والثوم والبصل، وكانت المخللات والتي جزء لا يتجزأ من المونة، فكانت تشمل كثيرا من أنواع الخضراوات، مثل الخيار والخس والجزر والفليفلة والملفوف والبطاطا، ونضيف تخزين ورق العنب، والحصرم ودبس الرمان والتوت الشامي وعصير الليمون والخل بنوعيه (التفاح-العنب) وعصير الرمان ، لكن الان تغيرت الأوضاع وارتفعت الأسعار وضعفت قدرة الفرد الشرائية وأصبحت المرأة الساحلية لا تطلب من المونة سوى نوع أو نوعين مهمين لضيق الأحوال المادية وغلاء المواد الأولية.

السيد أبو نزار صاحب محل بقالية في اللاذقية، أضاف: لم يعرف أهالي الساحل سابقا بيع أي من محصول أرضهم كالجوز والباذنجان والفليفلة والزيت، أو حتى بيع المكدوس المحضر والجاهز للأكل، إلا أن غلاء الأسعار في جميع السلع فرض عليهم هذه الدراما الجديدة، حيث اضطرت عائلات كثيرة من أصحاب الأراضي الزراعية لبيع الجوز والزيت بأسعار زهيدة، مقابل الحصول على ثمن مواد أخرى، كالخبز ربما، كما لجأت الكثير من العائلات التي تمتلك الأراضي لتحضير المكدوس وتخزينه في عبوات، لبيعه حاضرا للعائلات الوافدة أو لطلاب الجامعات أو الشبان الذين يؤدون خدمتهم الإلزامية، وقد يستبدل هؤلاء الشبان مواد أخرى مقابل كمية من المكدوس، لكن حال الوافدين هو حال معظم عائلات الساحل التي لا تمتلك أراضي زراعية، حيث خفض هؤلاء من مؤنتهم بشكل كبير، بعد أن اضطروا لشراء المواد اللازمة لتحضيره بأسعار باهظة لم تعد بمقدورهم، كما اضطروا لاستبدال المواد بمواد أخرى، كفستق العبيد بدل الجوز، وزيت الذرة النباتي بديلا لزيت الزيتون.

السيدة ام يزن قالت : سنة جديدة دون مونة، فارتفاع أسعار الخضار والفواكه بصورة قياسية منعنا من شراء أي شكل من أشكال المونة، حتى في مواسمها ليس لدينا القدرة على شرائها، ليست السنة الأولى التي لا نستطيع فيها شراء المونة بسبب غلاء الأسعار، فموسم البازيلاء مر دون المقدرة على تموينها من أجل الشتاء فقد وصل الكيلو مفرط إلى 45 ألف ليرة، و تعود الأسباب أولا لعدم القدرة الشرائية، وثانيا لعدم توفر الكهرباء ومستلزمات الحفاظ على المونة، وأما الثوم انتظرنا انخفاضه لنتفاجأ بارتفاعه السريع، وأصبح الكيلو أكثر من ٧٠ ألف ليرة، والراتب لا يتسع لشراء الحاجات اليومية، فكيف بحالنا بشراء المونة فتكلفة شراء المونة كبيرة جدا، وباتت  العائلة تحتاج لقرض أو جمعية بقيمة عالية، ولطالما اعتمدت الكثير من العائلات على شراء المونة بشكل مباشر من الريف لكن اليوم أجور النقل منعت من القيام بذلك، وتابعت: اعتدت على صناعة المونة في اعوام سابقة ومنها ورق العنب الذي وصل الكيلو منه إلى 35 ألف ليرة، وهذا ما منعني من طبخه حتى في موسمه.

أن تكاليف زراعة أصناف المونة بأنواعها من البازيلاء والفول والبندورة والفاصولياء والبامية، إضافة إلى الملوخية هي مرتفعة جدا ما جعل الإقبال على زراعتها من قبل المزارعين شحيحا بسبب غلاء البذار من جهة ومختلف المستلزمات بما فيها السماد والمبيدات الحشرية ناهيك عن التخوف من التقلبات المناخية التي تؤثر على كمية الإنتاج وتؤدي إلى تراجع المحصول.