تقرير/ سلاف العلي
في ظل غياب أي إجراء حقيقي للنفوس، تستمر العملية التربوية التعليمة بالانعدام الشبه تام عن أغلب مدارس الساحل السوري، لتكون هذا الظاهر من الظواهر الفظيعة التي خلفتها الهمجية بحق أهالي الساحل السوري، حيث تشير التقارير إلى أن 40% من المدارس مغلقة، ما يجعل مئات الالاف من الأطفال خارج العملية التعليمية.
هذا الواقع يهدد مستقبل جيل كامل من المواطنين الذين يكبرون دون فرص للتعلم والتطور، مما يضع البلاد في دوامة مستمرة من الجهل والتخلف، ويقلل من إمكانية إعادة إعمارها بجهود محلية مستقبلا، وتستمر معاناة كل المواطنين بعد أكثر من عقد من الحرب، حيث يتجلى التأثير الأكبر على الأطفال الذين نشأوا في بيئة مليئة بالفقر والعنف والتشريد.
وتشير التقارير الى الالاف من الأطفال ولدوا خلال سنوات الحرب، مما يعني أنهم لم يعرفوا سوى واقع الصراع وعدم الاستقرار وانقطاع الكهرباء والمياه وصعوبة المواصلات والغلاء الفظيع الذي أصاب كل شيء، وهذه النشأة في ظل الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية جعلتهم أكثر عرضة للاستغلال والانتهاكات، مثل عمالة الأطفال والزواج المبكر، وهي حلول قسرية تلجأ إليها الأسر بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور.
الأزمات الاقتصادية انعكست على المجتمع وافراد المجتمع، وأصبحت الحياة أكثر صعوبة مع وصول نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 90%، مما يضطر الكثير من العائلات إلى اتخاذ قرارات مؤلمة لضمان البقاء.
فغياب فرص العمل وانخفاض مستوى الدخل والقدرة الشرائية للمواطن، كلها عوامل جعلت تأمين الاحتياجات الأساسية أمرا شبه مستحيل، خاصة مع انهيار العملة وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود.
إلى جانب ذلك، تعاني البنية التحتية من انهيار شبه كامل، حيث تعمل محطات المياه بأقل من نصف طاقتها، ما يجعل الحصول على مياه نظيفة تحديا يومياً، كما أن 70% من مياه الصرف الصحي غير معالجة، ما يزيد من المخاطر الصحية وانتشار الأمراض، خاصة بين الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، حيث يقدر عددهم بأكثر من 100 ألف طفل دون سن الخامسة في مدن الساحل واريافها.
مع سقوط نظام الأسد البائد، تتزايد الآمال لدى المواطنين في الخلاص من أزماتهم المتراكمة، إلا أن هذا الأمل مرتبط بقدرة الحكومة المؤقتة على تحمل مسؤولياتها في إدارة البلاد وإعادة بناء ما دمرته الحرب، بداية المسؤولية السياسية والاقتصادية، فمن الضروري أن تعمل الحكومة المؤقتة على تقديم خطط اقتصادية واقعية تعزز من فرص العمل، وتخفف من حدة الفقر، من خلال دعم المشاريع الصغيرة، وجذب الاستثمارات، وتحقيق الاستقرار النقدي. كما يجب أن يكون هناك اهتمام عاجل بملف التعليم وإعادة تأهيل المدارس، وتوفير بيئة تعليمية آمنة للأطفال بعيدا عن تأثيرات الحرب، وإعادة تأهيل البنية التحتية والمياه، فتوفير الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والصرف الصحي والكهرباء يعد من أولويات إعادة الإعمار، حيث تحتاج البلاد إلى مشاريع مستدامة في قطاعي المياه والطاقة لضمان عدم تفاقم الأزمات الصحية والبيئية، ورغم القسوة التي عاناها المواطنون خلال السنوات الماضية، لا يزال الأمل في مستقبل أفضل قائما.
يتطلب تحقيق هذا المستقبل جهودا جبارة من الجميع بقواهم السياسية والمجتمعية بالتعاون مع الحكومة المؤقتة والمجتمع الدولي للنهوض بسوريا من جديد، بعد أن أصبحت الفرصة سانحة لذلك بعد سقوط سلطة الأسد، لإعادة بناء سوريا على أسس العدالة والتنمية والكرامة الإنسانية، بعيدا عن القمع والإقصاء والفوضى التي عاشتها البلاد لعقود.