تقرير/ حسن الشيخ
يُعد سد تشرين من المنشآت الحيوية الهامة لتوليد الطاقة الكهربائية وتأمين مياه الشرب والري لعدد كبير من السكان، وخلال الأشهر المنصرمة تعرض لأضرار جسيمة نتيجة هجمات المحتل التركي على جسم السد الأمر الذي حرم مئات القرى من الكهرباء والماء نتيجة لذلك.
وأدى استهداف السد خلال الأشهر المنصرمة لانقطاع الكهرباء عن مدينة كوباني و366 قرية تابعة لها، وعن مدينة صرين مما زاد من معاناة الأهالي في القرى بسبب اعتمادهم على الكهرباء لاستخراج الماء من الآبار، ورغم قيام فرق الصيانة بإصلاح الأضرار، فإنَّ المنشآت الحيوية وفرق الصيانة تعرضت على مدار الأشهر الماضية للاستهداف المباشر والمتكرر من قِبل الطيران الحربي التركي، ما يجعل فرق الصيانة عاجزة عن استكمال أعمالها.
هذا وتمكنت الفرق الفنية والهندسية التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية مؤخراً من الدخول الى سد تشرين بتسهيلات من قوات سوريا الديمقراطية وحكومة دمشق للقيام بالصيانة المطلوبة، والعمل على تشغيله من جديد، والعمل على تحييده من هجمات المحتل التركي والمحافظة على جسم السد من مخاطر التدمير والانهيار بعد دق ناقوس الخطر من قبل الجهات المعنية في الإدارة الذاتية لمخاطر استمرار الهجمات.
سد استراتيجي هام …!
تم بناء سد تشرين بين عامي 1991 و1999 حيث يعد من أهم السدود في سوريا وثاني أكبر سدود البلاد بعد سد الفرات، وتخزن بحيرة السد نحو 1.9 مليار متر مكعب من المياه، مما يجعله مصدراً رئيساً لتأمين مياه الشرب والري للمناطق المحيطة.
ويحوي ست عنفات كهرومائية قادرة على توليد 642 ميغاواط من الكهرباء، ما يسهم في تغذية شبكات الكهرباء المحلية والعامة في سوريا حيث أدت الهجمات التركية الأخيرة لتوقفها عن العمل مما زاد من معاناة ألاف السكان في مقاطعة الفرات ومئات القرى المحيطة بالسد.
أضرار بنيوية وتقنية
أدت الهجمات العدوانية التركية التي استهدفت جسم السد ومعداته الفنية إلى سلسلة من الأضرار الخطيرة التي أثرت بشكل مباشر على تشغيله السد، والمحافظة على مستوى المياه التخزينية لبحيرة السد.
وبالنسبة للأضرار التقنية تسببت الهجمات بتوقف السد بشكل كامل عن توليد الكهرباء نتيجة استهداف التجهيزات الكهربائية التي أدت إلى توقف العنفات الستة عن العمل بالكامل، كما توقفت مضخات صرف “الرشوحات” عن العمل، وهذا أدى إلى غمر مساند العنفات والمعدات الكهربائية والممرات السفلية بالمياه، ما جعل هنالك صعوبات كبيرة في تشغيل المعدات أو صيانتها.
وأيضاً تسبب القصف المستمر بالطائرات الحربية والمسيّرة والمدفعية في اهتزازات خطيرة، مما أدى إلى زيادة التسربات داخل جسم السد وزيادة الضغط على بنيته الأساسية، كما أدت تلك الهجمات إلى تدمير ساحات التحويل التي تربط السد بشبكات الكهرباء العامة، مما أدى إلى عزله عن الشبكة. فضلاً عن أن خزانات الزيت التي توجد على سطح السد أصبحت معرضة لخطر الاحتراق بفعل الهجمات، وهذا ما قد يتسبب بكارثة بيئية تزيد الوضع سوءاً.
كارثة انسانية ومخاطر لانهيار محتمل
ولم تنحصر الأضرار من الناحية التنقية، فمن الناحية الإنسانية، أدى توقف السد إلى انقطاع الكهرباء عن أكثر من 400 ألف نسمة يعيشون في المناطق المحيطة بالسد، فالشبكات التي كانت تغذي مدن كوباني، منبج، وصريّن بالكهرباء أصبحت خارج الخدمة بالكامل، مما أثر بشكل كبير على الحياة اليومية للسكان، إذ لا يوجد مصدر آخر للكهرباء يمكن تزويد هذه المناطق بها.
إلى جانب ذلك، توقفت شبكات المياه المستخدمة للشرب والري، حيث يؤمن السد مياه الشرب لمحطات الخفسة والبابيري ومسكنة وغيرها التي تغذي مناطق حلب ومدن منبج وكوباني وصرين والجرنية بمياه الشرب والري لمساحات واسعة من الأراضي الزراعية ما يهدد الأمن الغذائي للمجتمعات التي تعتمد على السد في الزراعة.
أدى توقف السد عن العمل إلى ارتفاع منسوب المياه داخل بحيرة السد، وعدم القدرة على سحبها بسبب تعطل المضخات، وهذا يزيد من احتمالية انهيار السد، ما قد يؤدي إلى غمر قرى ومدن بأكملها على ضفتي نهر الفرات، وقد تمتد التأثيرات لتشميل العراق أيضاً نتيجة التدفق السريع للمياه في حال انهار السد.
أعمال إسعافية منفذة
ورغم المخاطر الكبيرة وصعوبة الوصول إلى السد بسبب استمرار هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته، قامت إدارة السد، بالتعاون مع منظمات دولية، بتنفيذ مجموعة من الأعمال الاسعافية لتخفيف التدهور ومحاولة الحفاظ على الحد الأدنى من تشغيل السد.
ومن تلك الأعمال؛ تأمين معدات طارئة، حيث تم توفير مضخات غاطسة لسحب المياه المتسربة من الأنفاق السفلية وإعادة تشغيل بعض المعدات، إلى جانب تركيب مولدة كهرباء بديلة بالتعاون مع منظمات مثل اليونيسيف والصليب الأحمر الدولي، لضمان الحد الأدنى من تشغيل المعدات الأساسية، فضلاً عن إجراء صيانة مؤقتة لخطوط الكهرباء بين سد الفرات وسد تشرين لتوفير مصدر طاقة محدود.
كما تم تشغيل عنفات محدودة بشكل مؤقت، فرغم الأضرار الكبيرة، تمكن الفنيون من تشغيل عنفة واحدة فقط لتوفير تغذية كهربائية محلية محدودة جداً.
ومن بين الأعمال الاسعافية الأخرى المنفذة، فتح بوابات المفيض، فلتجنب غمر السد بالمياه، تم فتح بوابات المفيض لتصريف المياه الزائدة من البحيرة إلى الجهة السفلى للسد، مما ساهم في تخفيف الضغط على جسم السد ومنع انهياره، وأيضاً توفير وقود وتشغيل مولدات ديزل، حيث تأمين كميات من المازوت لتشغيل المولدات الاحتياطية وضمان استمرار العمل في بعض الأقسام الحيوية بالسد.
احتياجات أعمال الصيانة الفورية
ولإعادة سد تشرين إلى العمل وضمان استمراريته، تحتاج إدارة السد إلى تنفيذ مجموعة من الإجراءات العاجلة والضرورية، بعد وقف هجمات الاحتلال التركي وضمان أمان الكوادر الفنية.
إذ يحتاج السد إلى أعمال صيانة فنية، فالمعدات الكهربائية والميكانيكية التي غمرتها المياه بحاجة إلى تجفيف شامل وصيانة دقيقة لإعادتها إلى الخدمة، وكذلك ضرورة إصلاح ساحات التحويل وشبكات الكهرباء التي تضررت بسبب القصف وربط السد مجدداً بالشبكة العامة، وكذلك توفير 25 طناً من زيت العنفات لإعادة تشغيل الوحدات المتبقية.
كما يحتاج السد إلى تعزيز بنيته من خلال إجراء كشف شامل على جسم السد وإصلاح أي تصدعات أو أضرار بنيوية لضمان استقراره على المدى البعيد، وأيضاً لا بد من تأمين معدات طارئة، مثل المضخات ذات القدرة العالية لسحب المياه المتراكمة داخل السد، وغطاسات حديثة للتعامل مع التسربات المتزايدة بسرعة وفعالية، ومعدات كهربائية وميكانيكية إضافية لإعادة تشغيل أنظمة السد بالكامل.