لكل السوريين

انتعاش ملحوظ في الحركة العمرانية بريف دمشق بعد أشهر من الجمود

ريف دمشق/ مرجانة إسماعيل

شهد قطاع البناء في ريف دمشق خلال شهر أيار الجاري تحوّلًا لافتًا، تمثل في انتعاشٍ واضح للحركة العمرانية، بعد فترة من التراجع شبه الكامل الذي استمر عدة أشهر، نتيجة الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة، وارتفاع تكاليف البناء، وانعدام المشاريع الرسمية.

ويُعزى هذا الانتعاش، وفق تجار ومتعهدين عقاريين، إلى تحسّن نسبي في أسعار مواد البناء، وعودة عدد كبير من المغتربين السوريين، الذين يُشكلون الشريحة الأبرز من المستثمرين حالياً في سوق البناء السكني، خاصة في مجال الترميم والبناء الفردي.

زيادة في الطلب وأسعار مستقرة نسبياً

أكد عدد من تجار مواد البناء أن الطلب على الإسمنت والحديد والبلوك والرمل ارتفع بما يُقدّر بـ 50% مقارنة بفصل الشتاء الماضي، مشيرين إلى أن الأسعار شهدت استقرارًا نسبيًا، رغم بعض التقلبات المحدودة التي تُحددها آلية العرض والطلب المحلية.

وأشار أحد متعهدي البناء إلى أن الانخفاض الكبير في أسعار مواد البناء خلال الأشهر الماضية، والذي بلغ أكثر من 30%، أسهم في إعادة تحريك السوق، لا سيما لدى صغار المستثمرين والمغتربين الذين باشروا تنفيذ مشاريع متوقفة منذ العام الماضي.

عودة المغتربين.. عامل حاسم في تحريك السوق

تُعد عودة المغتربين السوريين إلى مدنهم وقراهم في ريف دمشق أحد أبرز العوامل المحركة لحركة البناء، حيث يتجه هؤلاء نحو الاستثمار العقاري كخيار آمن نسبياً، في ظل غياب قنوات استثمارية أخرى موثوقة، وانهيار قيمة الادخار النقدي بفعل التضخم المزمن.

ويرى خبراء عقاريون أن تحسن سعر صرف الليرة السورية، ولو بشكل طفيف، شجّع العديد من أصحاب رؤوس الأموال المغتربة على ضخ سيولة في قطاع البناء، خاصة مع دخول فصل الصيف، الذي يُعد موسماً تقليدياً لنشاط الإنشاءات والصيانة.

أزمة سكن خانقة تدفع نحو التشييد

يتزامن هذا الانتعاش مع أزمة سكن غير مسبوقة تعاني منها مناطق ريف دمشق، إذ أصبح العثور على شقة للإيجار أمراً في غاية الصعوبة، في ظل طلب متزايد وعرض شبه معدوم. وبلغت الإيجارات في بعض المناطق أرقامًا قياسية، حيث وصلت إلى 500 دولار أميركي شهرياً، مع اشتراط دفع 6 أشهر مقدماً، ما وضع شريحة واسعة من السكان في مواجهة ضغوط مالية قاسية.

ويقول سكان محليون إن الوضع الاقتصادي المنهك، وتراجع القوة الشرائية، وارتفاع الإيجارات بشكل غير منطقي، دفعت العديد من العائلات إلى محاولة بناء وحدات سكنية صغيرة خاصة بها، أو ترميم منازل قديمة ومهجورة كحل بديل للإيجار.

جذور الأزمة: توقف البناء وغياب الدعم الحكومي

يعود السبب الأساسي في تفاقم أزمة السكن إلى توقف شبه كلي لعمليات البناء بين عامي 2018 و2024، نتيجة الهشاشة الأمنية عقب اتفاقيات التسوية التي لم تُتبع بخطط تنموية أو مشاريع إعادة إعمار واضحة.
كما أسهمت هجرة آلاف السكان من الريف إلى داخل المدن أو خارج البلاد، في تقليص المعروض السكني بشكل كبير، وسط غياب شبه تام لأي برامج إسكان مدعومة أو دعم حكومي للبناء الشعبي.

ويقول أحد رؤساء الجمعيات التعاونية السكنية في المنطقة:

“الحكومة لم تُطلق حتى الآن أي مبادرة لإعادة إعمار حقيقية، أو لتوفير مساكن بأسعار مدروسة للفئات المتوسطة والفقيرة، ما فتح الباب أمام السوق الخاصة لتحديد الأسعار والتحكم الكامل بالقطاع”.

نظرة مستقبلية: تفاؤل مشروط

يتوقع مراقبون أن يستمر النشاط العمراني في التصاعد مع اقتراب فصل الصيف، شرط ثبات الأسعار، واستمرار تدفق تحويلات المغتربين، وتحسن الوضع الأمني والخدماتي في المناطق الريفية.
في المقابل، يبقى غياب التدخل الحكومي وعدم وجود دعم تمويلي واضح من أبرز العوائق أمام التوسع المنظّم والمستدام في قطاع البناء.