إعداد أنعام إبراهيم نيوف
إن حقوق المرأة تندرج ضمن الاطار العام لمجموعة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فهي تشمل كافة أنواع الحقوق والحريات الأساسية، وتقسيماتها وضمانها لكافة بني البشر، رجالا أم نساء، أطفالا أم كبارا في السن ونتيجة لتطور مفهوم وفكرة كافة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية فقد أصبح هناك نوع من التخصصية في طرح هذه الحقوق، سواء عبر المطالبة بصياغتها وإقرارها ضمن مواثيق دولية وتشريعات وطنية، أو التأكيد على ضرورة تطبيق هذه الحقوق الواردة في التشريعات وضمان احترامها وتفعيلها، فظهرت مصطلحات حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق المعاقين وحقوق المحرومين من حريتهم، وغيرها من هذه التي تركز على حقوق فئة أو شريحة معينة، إلا أنه يجب التأكيد على المناداة بهذه الحقوق لأية فئة أو شريحة مما سبق ذكرها لا يخرجها عن إطارها العام وهو حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بل المقصود من المناداة بالتخصصية، توفير المزيد من الحماية والضمانات لهذه الفئات عبر إقرار المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية التي تضمن بعض الحقوق لهذه الفئات.
أما بالنسبة لمصطلح حقوق المرأة فقد أخذ هذا المصطلح حيزا أكبر من الاهتمام المتنامي يوما بعد يوم، وذلك على الصعيدين العالمي والوطني، وأصبحت هناك منظمات وجمعيات واتحادات عالمية وإقليمية ووطنية ترفع لواء المطالبة بتقرير وتطبيق هذه الحقوق.
وتتلخص الغاية الأساسية في المطالبة بحقوق المرأة بضمان تطبيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق المختلفة سواء أكانت سياسية أم مدنية أم اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية، إضافة الى ما سبق ذكره من تحقيق مزيد من المكاسب في تقرير هذه الحقوق للمرأة وضمان فاعلية التطبيق لهذه الحقوق على أرض الواقع فلا يكفي مجرد تضمين القوانين والتشريعات الوطنية لهذه الحقوق للمرأة، إن كان ذلك يعتبر بحد ذاته مكسبا هاما الا أن العبرة في التطبيق العملي لهذه الحقوق وتمتع المرأة بها.
حملت الحرب المرأة السورية هموما وأوزارا كبيرة نسفت كل طرق حياتها، فأضحت تعيش تجربة خاصة وتواجه تحديات كبيرة، فإلى جانب الصعاب التقليدية التي تواجه المرأة في المجتمع السوري، وأهمها التمييز بينها وبين الرجل، والعادات والتقاليد التي تسيطر عليها نظرة دونية للمرأة، وقعت المرأة ضحية ظروف حرب قاسية دمرت البشر والحجر.
تعتبر المرأة السورية من أكثر الشرائح تضررا من اندلاع الحرب، فمنذ أيامها الأولى أجبرت الحرب المشتعلة المرأة على الخروج إلى سوق العمل وفرَضَت عليها الكثير من الأعباء التي تفوق طاقتها وتكوينها، وكانت المرأة السورية في الأوقات التي سبقت الحرب متفرغة لشؤون أسرتها وتربية أبنائها وإدارة شؤون أسرتها، خصوصا في المناطق الريفية التي تحتفظ فيها المرأة بصورتها التقليدية ووضعها الخاص. وقد حذرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أن عشرات الآلاف من نساء سوريا وقعن في دائرة المشقة والعزلة والقلق، ليكافحن من أجل البقاء والعيش في ظل حرب قاتلة.
فقد ارتكبت بحقها جميع الانتهاكات من القتل والخطف والاختفاء القسري والتعذيب والاغتصاب والتهجير القسري والاعتقال التعسفي، وتحملت المرأة العبء الأكبر في الأزمة السورية، فقد تم زجها في خضم حروب دموية ومعارك لم تعرف البشرية مثيلا لها بأنواع وصنوف القتل التدمير، وامست المرأة السورية حاضنة الضحايا: القتلى- الجرحى-المخطوفين-المعتقلين-المهجرين-النازحين، فهي أم وأخت وأرملة الضحية، ومربية أطفال الضحية. واصبحت هدفاً للقتل بكل أشكاله، والتهجير والفقر والعوز، والتعرض للاعتداء والعنف الجسدي والمعنوي وانتهاك كرامتها وأنوثتها، بل وضعتها ظروف اللجوء في اجواء من الابتزاز والاستغلال البشع، علاوة على ذلك فإن وضع المرأة السورية يزداد سوءا وترديا في المناطق، ” التي تسمى بالمحررة بحسب التوصيف السياسي والإعلامي”، تحت ظل فتاوى رجال دين وتشريعاتهم التي طالت المرأة ولباسها وسلوكها وحياتها، حيث تعرضت لأشكال جديدة من العنف اضافة الى الاكراهات التي مارستها الجماعات المسلحة التكفيرية وما يسمى ب” قضاءها ومحاكمها الشرعية”، والتي سعت إلى فرض بعض الأنساق الثقافية المتخلفة والهمجية بحق المرأة، وانزلت المرأة إلى مراتب دون مستوى البشر، مقيدة حريتها بشكل كامل، وموجهة الأجيال الصاعدة نحو ثقافة تضع المرأة في مكانة دونية قد تصل حدّ جعلها سلعة تباع وتشرى ويرسم مصيرها من دون الاكتراث بكيانها الإنساني، لقد عانت المرأة من مختلف ألوان التمييز وجميع الانتهاكات التي تطال شخص المرأة.
إن المرأة السورية وقعت في أكبر مشكلة، لا بل إنها الكارثة التي أصابتها على أثر الحرب، فهي أمام تحديات عظيمة، إذ تحوّلت بالإضافة إلى دورها كأم إلى أبٍ أيضاً بتحمل المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، بعد أن كانت مهمتها الوحيدة هي رعاية الأطفال في المنزل وترك المسؤولية الاقتصادية والإدارية على الأب، كما إن الفتيات اللواتي بعمر الزواج اضطررن للزواج من أي شخص، وإن كان الرجل لا يتناسب مع عمر الفتاة ومؤهلاتها الفكرية، وذلك من أجل “السترة” واستمرارية العيش، ووقعت المرأة السورية في مشكلة أخرى هي زواج القاصرات، ناهيك عن تجنيد القاصرات من قبل عدة تنظيمات عسكرية متشدّدة، وبخاصة اللواتي احتلّت مناطق سكنهن من قبل مثل هذه التنظيمات، وأثبتت المرأة السورية جدارتها وقدرتها على تحمُّل المسؤوليات كافة، ابتداء من حمل السلاح ومروراً بالعمل أيّاً كان نوعه، وما كان يهمها هو إعاشة أبنائها وحمايتهم من العوز والمرض والحاجة ما أمكنها ذلك، فالمرأة السورية تشرَّدت وهاجرت وبحثت عن كل السبل الكفيلة بحماية أسرتها بعد غياب الأب والأخ والزوج والابن.
تعاني المرأة السورية من ضغوطات تصدر عن الثقافة التقليدية السائدة والعادات والأعراف، ودور هذا الموروث في ممارسة العنف المباشر وغير المباشر على المرأة، وللعنف ضد المرأة أشكال عديدة، كحرمانها من التعلم والعمل، وعدم إشراكها بقرار زواجها، والاستغلال الجسدي، والاغتصاب، والضرب، والقتل والذي يمارس تحت راية ما يسمى ب”القتل بدافع الشرف” وهذه من أبشع أشكال العنف ضد المرأة وأقساها، ويترافق ذلك مع استمرار الأمية وسط النساء في المناطق الريفية وبين الأسر الفقيرة، مما يعرقل أي مجهود لإقرار حقوق النساء و ضمان المساواة و الكرامة لهن.