لكل السوريين

في الرَّقة..لعنة المشافي الخاصة تتفاقم !

ثمّة مفارقة لا يكاد أن يصدقها العقل، نحاول في هذه المتابعة تسليط الضوء عليها حيال واقع المشافي الخاصة في الرقة التي وصلت إلى درجة لم تعد تحتمل.، وصارت حكايات تروى يتناقلها الناس بين بعضهم البعض، ولم تقم لها قائمة حتى اليوم، ويعاني أهلها من فقر مدقع وضيق مادي خانق!!

ويتمثل ذلك في مالكي أمثال هذه المشافي وجزاريها وجشعهم المادي المنقطع النظير، ومطالباتهم المجحفة بحق المرضى الذين لا حول لهم ولا قوة، على الرغم من مآسيهم لا سيما أنَّ الرّقة ــ ككل ــ لا زالت تعاني، وإلى اليوم، من أزّمة صحية صارخة، وبصورة خاصة، بعد أن حولتها الحرب والعصابات الإرهابية المجرمة إلى ما هي عليه اليوم من ورم سرطاني لا يمكن بأي حال الإفاقة منه!.

ورم مرير ومتجذّر حل بأهلها البسطاء، وبمرافقها الخدمية، نتيجة الحرب التي قضت على أجزاء كبيرة من مساحتها، وتدمير البنى التحتية، ناهيك بتحويل المدينة إلى كومة من الركام المحطّم لا يمكن الإفاقة منه ببساطة، فضلاً عن تهجير أهلها، والمعاملة السيئة التي شهدها كل من تشبّث بأرضها ولم يفكر في تركها والنزوح عنها، وبصورة خاصة من قبل “داعش” وعناصره، ومن لفَّ لفهم من أبناء الرَّقة الذين كانوا أعضاء فعَّالين في التنظيم الإرهابي، الماسخ، وعاملوا أهلها، وللأسف،  بكل قسوة وتعسّف أحمقين، ولم يقصروا في توجيه الطعنة إليهم وقذفهم بأبشع العبارات وأرذلها، ولم يخلص منها أحد، كما قامت باعتقال الشباب، وتجنيدهم في صفوفها، وإلقاء القبض على الغالبية ممن لم يستجب أحد لرغباتهم، وباختلاق أي ذريعة كانت، وإذلالهم وإهانتهم، ولم يقتصر الحال على هؤلاء وغيرهم، فالمشاركة أدركها معهم أصحاب الأردية البيضاء، الأطباء، نُخبة المجتمع الذين كانوا أشدُّ إيلاماً بحق أهلهم وإخوانهم الذين قاموا برفع أسعار أجور الكشوفات الطبية، إلى حد غير مقبول تماماً، فكانوا بحق الجلادين الفعلين الذي مارسوا حيال أبناء الرّقة ما لم يقم به الغرباء عنها!.

وما روي من قصص مؤسية بحاجة إلى مجلدات لتتسع ما تعرَّضَ له المرضى من معاملة سيئة، وابتزاز لافت، وما نمّي ونقل من قبل أصدقاء لا يمكن أن يعيه أو يصدقه العقل، والحال أيضاً بالنسبة للمستشفيات الخاصة التي كشفت عن عباءتها، بعد هزيمة “داعش”، بصورةٍ خاصة، وصار الناس يترحَّمون على أيام المشفى الوطني رغم علله، وما كان يقدمه من معالجات مجانية لكل من لجأ إليه بعيداً عن معاملة المشافي الخاصة وأسعارها المبالغ فيها!

وقد اتصل بي عدد من الأشخاص، يتساءلون عن الأسباب التي دفعت بأصحاب المشافي الخاصة، التي أعادت جاهزيتها بشكل جيد بعد أن نالت نصيبها وحظها من الدمار الذي أتى على الأغلبية منها، أسباب رفعها أجور العمليات، من البسيطة وانتهاء بتلك  التي تتطلب جهداً إضافياً.

استوقفني عدد من المشاهد جرت أحداثها في احدى المشافي الذي أعيد ترميمه، وهو أن أحد المرضى سبق أن تعرَّض لحادث سير أليم نتيجة ركوبه دراجة نارية، وعلى إثرها كسرت رجله وهو بحاجة إلى تجبير العظم المكسور، وإجراء ما يلزم بإعادته إلى وضعه الطبيعي، فتصوروا بأنه تم إدخال المصاب إلى قسم العمليات وأجريت له العملية المقررة، بدون العودة لأهل المصاب الذين فوجئوا بفاتورة المشفى الباهظة جداً والتي تصل إلى مليوني ليرة سورية، فما كان من والد المصاب إلّا أن أصيب بصدمة كبيرة، ما اضطره اللجوء إلى تأمين نصف المبلغ المطلوب بمساعدة الأقارب والأصدقاء الموسرين.. وطالبته إدارة المشفى ببقية المبلغ الذي لا يعرف إلى أي جهة يمكنه الالتجاء إليها لتأمينه وإبراء ذمّة ابنه، وهو إنسان عامل بالأجر اليومي!

وصورة أخرى لامرأة اضطرت إلى إحضار ابنتها المصابة بمرض السحايا ولم تستجب المشفى لعلاجها إلّا في اليوم التالي بعد حضور الطبيب الغائب الذي لم يكن يبالي بمرضها، ما زادها تأزماً!؟

وصورة ثالثة لشخص جاء بابنته المشفى، وهي بحاجة إلى عملية بسيطة، فتحة بالظهرــ إزالة “كيس مي”، على أن المبلغ المتفق عليه لا يتجاوز المائة ألف ليرة، وبعد انتهاء العمل الجراحي فوجئ والد الطفلة بالمبلغ المطلوب دفعه، وقدره مائتين وخمسون ألف ليرة لقاء هذه العملية البسيطة التي كانت قد تعرضت لها، فما كان على والد الطفلة إلى أن امتنع عن دفع بقية المبلغ، وقال لهم حرفياً: “ليس لدي القدرة على دفع المبلغ.. عليكم بابنتي.  من الأفضل أن تظل لديكم!”.

لن أطيل أكثر، وما نتأمله هو أن تعيد المشافي الخاصة العاملة حالياً في الرَّقة، بصورة عامة، مراعاة ظروف أهلنا هناك، وتخفيف العبء عنهم بخفض أسعار أجور العمليات الجراحية للتخفيف عنهم ما أمكن، والسبب أنَّ الغالبية منهم باتوا يفتقدون لأي عمل يقومون به وإمكانياتهم المادية محدودة جداً.. وما بين يديهم، بالكاد يكفي قوت يومهم! فهل يعيد جزارو المشافي الخاصة أسعار العمليات الجراحية والعمل على علاجها بأجور رمزية .

يظل الأمل كبير بحل هذه المعضلة التي صارت حديث الشارع في الرَّقة اليوم، ويعاني منها الأهالي الذين لا حول لهم ولا قوة، وبالكاد يعتمد القلة منهم على مساعدات خارجية من قبل أبنائهم المقيمون خارج القطر الذين نالوا ما نالوا من غياب وهجرة قسرية، ومعاناة كبيرة ظلَّت وإلى اليوم تطاردهم أينما حلوا.

 

عبد الكريم البليخ