لكل السوريين

المفاوضات الأمريكية الإيرانية.. شكوك وتضارب في النوايا

حاوره/ مجد محمد

أكد عماد سلقيني أن طريقة تعامل أمريكا مع إيران تقوم على اعتبارها منافساً لا منازع، وأن التصعيد بين إيران وأمريكا هو تصعيد من مستوى آخر، لذا تلجأ الولايات المتحدة إلى التفاوض والمساواة في القضايا المختلفة. وعلى الرغم من انعدام ثقة إيران بأمريكا، إلا أنها بأمسّ الحاجة لهذا الاتفاق لسدّ الشرخ الكبير بين النظام والمجتمع الإيراني.

وضعت الولايات المتحدة الأمريكية حشوداً عسكرية هائلة وغير مسبوقة استقدمتها إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، والتي لا تطالها الصواريخ الإيرانية، وكان ذلك بمثابة إنذار باقتراب موعد الضربات العسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، والتي هدّد الرئيس السابق دونالد ترامب بقصفها أكثر من أي وقت مضى. وما جعل تصور وقوع الضربة العسكرية ضد إيران يبدو قابلاً للتنفيذ، هو الانتكاسة الإقليمية الكبيرة التي تعرضت لها طهران في المنطقة، بعد تصدّع “محور المقاومة” تحت وابل النيران الإسرائيلية، وإعادة رسم ملامح المنطقة بعد خلع النظام السوري، كما بدا غضب ترامب على الحوثيين وقصف تحصيناتهم كتمهيد للانتقال للهجوم على إيران.

لكن الرئيس الأمريكي فاجأ الأوساط السياسية بالإعلان عن موعد المفاوضات التي جرت مع إيران بشأن ملفها النووي، يوم السبت الحادي عشر من نيسان/ أبريل الجاري، ليثبت مرة أخرى أنه شخص لا يمكن التنبؤ بما يفكر به أو يخطط له. وقد ترك ترامب لإيران “فسحة تنفّس” عبر هذه المفاوضات، كما ظهر في رسالته إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، حين خيّره بين التفاوض أو الحرب. واعتبر ترامب هذه الفسحة ممراً لتحقيق هدف كبير تعجز الحرب عن تحقيقه، بل إن الحرب قد تفتح عليه أبواباً يصعب إغلاقها، بدءاً من تايوان التي تحاصرها الصين منذ بدء قرع طبول الحرب ضد إيران، وأوكرانيا التي لم يتوصل بعد مع بوتين إلى صيغة نهائية بشأنها، وصولاً إلى كوريا الجنوبية القابعة تحت تهديدات واستفزازات جارتها الشمالية، إضافة إلى إيران نفسها، التي لا يمكن ضمان اجتثاث برنامجها النووي حتى باستخدام القاذفات الاستراتيجية والقنابل الخارقة للتحصينات، لاحتمال وجود نسخ سرية أخرى من المواقع النووية في أعماق الجغرافيا الإيرانية الجبلية الوعرة.

وبهذا الخصوص، عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع أستاذ العلاقات الدولية الدكتور عماد سليقيني، ودار الحوار التالي:

ترامب رجل تجاري بحت ويؤمن بلغة الأرقام، كيف يظهر ذلك في علاقاته مع إيران؟

ترامب هو سياسي يرى العالم على شكل أرقام ونسب وإيرادات. وكان أحد الأسباب الرئيسية وراء انسحابه من الاتفاق النووي السابق، قناعته بأن الشركات الأمريكية لم تحصد الاستثمارات المأمولة في إيران، بينما كانت الشركات الأوروبية هي المستفيد الأكبر. وذلك رغم الأموال الطائلة التي تدفقت إلى إيران عبر الطائرات الأمريكية حينها مقابل توقيع الاتفاق، والتي جرى إنفاقها على شبكة الميليشيات المزعزعة لاستقرار المنطقة، وتهديد أمن إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة، وتطوير البرنامج النووي والصواريخ الباليستية.

* وإيران في مواجهة أمريكا، هل تقف موقف الضعف أم القوة؟*

الموقف الإيراني متأرجح؛ فالنظام الإيراني قابل التهديد بالتهديد، وأعلن عن جاهزيته للرد على أي هجوم محتمل، ولوّح بإمكانية صنع القنبلة النووية. لكنه أطلق في الوقت ذاته رسائل معاكسة، أبرزها تصريح علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى، عن إمكانية تحديد الولايات المتحدة مصالح اقتصادية مشتركة مع إيران. وهذا هو بالضبط ما يريده ترامب، الذي يفضل الصفقات على الحروب الكبرى، ويسعى لتحويل الأعداء إلى شركاء اقتصاديين، ولكن وفق شروطه الخاصة.

* ما الفائدة التي ستجنيها الولايات المتحدة من التوصل إلى اتفاق مع إيران؟*

إعادة صياغة الاتفاق النووي مع إيران سيحقق أهدافاً استراتيجية متعددة للولايات المتحدة وحلفائها. أولاً، سيضمن عدم امتلاك إيران للسلاح النووي، ويهدّئ إسرائيل التي تتوعد دائماً بضرب المنشآت النووية الإيرانية لمنع تطوير القنبلة النووية. هذه الضربات إن حدثت، قد تفسد الخطط الكبرى التي رسمتها واشنطن للمنطقة. ومن المرجّح أن يكون تفكيك الميليشيات الإيرانية في المنطقة أحد أهم شروط الاتفاق، ما سيمكّن إسرائيل من وضع استراتيجية أمن إقليمي طويلة الأمد. كذلك، فإن فتح السوق الإيرانية أمام الاستثمارات الأمريكية سيكون خطوة طال انتظارها من كبرى الشركات الأمريكية منذ عام 2015، وستشكل ضغطاً إضافياً على الإدارة الأمريكية للتوصل إلى اتفاق بدلاً من خوض حرب قد تضيع معها هذه الفرص. والأهم، أن الاتفاق سيقطع الطريق على الصين التي وقّعت اتفاقاً استراتيجياً مع إيران لمدة 25 عاماً، وبالتالي سيُتاح للشركات الأمريكية والغربية دخول السوق الإيرانية. كما أن النفط والغاز الإيرانيين، اللذين يشكلان رابع أكبر احتياطي نفطي وثاني أكبر احتياطي غاز في العالم، سيكونان ورقة اقتصادية قوية تُسحب من يد روسيا وتُمنع عن الصين، التي تُعد من أكبر المستوردين للطاقة الإيرانية.

* هل تؤيد إيران المفاوضات مع الولايات المتحدة؟ وهل ستذهب لها برحابة صدر؟ *

بالتأكيد. النظام الإيراني بحاجة ماسة لهذا الاتفاق، ويبدو أنه سيعيد النظر في سياساته العدائية تجاه أمريكا التي اتبعها منذ تأسيس النظام الإسلامي. ويعي هذا النظام جيداً أن سياساته التوسعية في المنطقة قد فشلت، وأن الخطر الداخلي الذي يواجهه يومياً لا يقل عن أي تهديد عسكري خارجي. وبالتالي، فإن هذا الاتفاق قد يشكل طوق نجاة للنظام.

* أين من المرجح أن تُعقد المفاوضات؟ وهل تعتقد أنها ستنجح؟ *

من المتوقع أن تُعقد المفاوضات في سلطنة عمان، التي تُعرف بحيادها السياسي. وسيبقى نجاح المفاوضات مرهوناً بمدى القدرة على خلق جو من الثقة المتبادلة بين الطرفين. وليس من المتوقع أن يكون هدف إيران هذه المرة هو كسب الوقت أو المماطلة كما كان في جولات سابقة، لأن الاقتصاد الإيراني الموشك على الانهيار لن يُنقذه إلا رفع العقوبات المفروضة عليه. كما أن هدير القاذفات الشبحية الأمريكية يصل إلى مسامع القادة في طهران، وقد يُقدم ترامب على تنفيذ تهديداته إذا لم يجد استجابة فعلية لمطالبه مع انتهاء مهلة رسالته.

* إلى أي حد يمكن أن تُحسِّن المفاوضات من صورة النظام الإيراني دولياً؟*

حتى لو توصّل الطرفان إلى اتفاق مستدام يحقق مصالحهما، فإن ذلك لن يُزيل التهديد الحقيقي الذي يواجه النظام الإيراني داخلياً. الشرخ الكبير بين النظام والمجتمع الإيراني لا يزال قائماً، وقد باتت طموحات الشعب تتجاوز الإصلاحات الاقتصادية، لتصل إلى تقويض البنية الدينية الحاكمة منذ عقود. وسقوط شبكة حلفائه في المنطقة، وعلى رأسهم النظام السوري، قد يشكل دافعاً جديداً لإعادة الحراك الشعبي إلى الشارع الإيراني، وبزخم أكبر هذه المرة.