لكل السوريين

تراجع إنتاجية وجودة الزيتون في حماة بسبب موسم جفاف قاسٍ

حماة/ جمانة الخالد

شهدت سهول حماة الخصبة هذا العام حالة غير مسبوقة من الجفاف وقلة الأمطار، أثرت بشكل كبير على أشجار الزيتون التي كانت تمتد لآلاف الهكتارات وتشكل مصدر رزق رئيسياً لآلاف العائلات في المنطقة. في موسم كان فيه الزيتون عادة ما يزدهر بالخضرة والثمار، تظهر هذه السنة أشجار الزيتون شبه عارية، تتدلى منها حبات زيتون قليلة وصغيرة الحجم، مما أصاب المزارعين بعجز وحزن كبيرين.

ويروي أبو محمود، مزارع في ريف حماة الشمالي، كيف تغيرت حال أشجاره التي ورثها عن أبيه، إذ كان يجني في السنوات الماضية ما لا يقل عن 20 طناً من الزيتون، أما هذا العام فقد قال: “لو جمعنا 5 أطنان سنكون محظوظين”. ويشرح أن نقص الأمطار خلال الشتاء، بالإضافة إلى موجات الحر الطويلة في الصيف، تسبب في إجهاد مائي شديد للأشجار، ما أثر سلباً على حجم الثمار وكميتها. وأضاف: “الزيتون يحتاج إلى ماء في وقت محدد، وإذا لم يحصل عليه، فإنه يضحي بالثمار ليبقى هو حياً”.

ولا تتوقف المشكلة عند انخفاض الإنتاج فقط، بل تتعداه إلى جودة الزيت المستخرج من هذه الثمار. فاطمة، التي تعمل في معصرة زيتون عائلية بمنطقة مصياف، أكدت أن كمية الزيت المستخرجة من كل كيلوغرام من الزيتون انخفضت بشكل ملحوظ، من نحو 200 غرام في المواسم السابقة إلى 120 غراماً فقط هذا العام. وأوضحت أن الجفاف جعل حبات الزيتون أقل عصارة، مما يعني انخفاضاً في جودة الزيت إلى جانب قلة كميته.

أما من الناحية الاقتصادية، فتحدث أبو ياسر، تاجر زيتون وزيت في سوق حماة المركزي، عن ارتفاع سعر زيت الزيتون بنسبة 40% مقارنة بالعام الماضي، وهو ارتفاع أدى إلى شكوى الزبائن الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للبحث عن بدائل أرخص. وأضاف أن كثيراً من المزارعين فضلوا هذا العام بيع الزيتون كمنتج خام بدلاً من عصره، لأن تكاليف القطاف والمعصرة مع الكميات القليلة باتت غير مجدية مالياً، مما أدى إلى نقص في زيت الزيتون المحلي وارتفاع كبير في أسعاره، وهو ما دفع العديد من العائلات إلى اللجوء إلى الزيوت النباتية الأرخص، رغم ضعف قيمتها الغذائية مقارنة بزيت الزيتون.

تأثيرات الجفاف الاقتصادية لم تقتصر على المزارعين والتجار فقط، بل امتدت إلى العمال الموسميين الذين يعتمدون على موسم القطاف في تأمين لقمة عيشهم. أم علي، أرملة تعيل أطفالها الثلاثة من خلال العمل في قطاف الزيتون، قالت إنها وجدت فرص عمل محدودة جداً هذا العام، حيث قل عدد أيام العمل من أسابيع إلى بضعة أيام فقط، مشيرة إلى أن النقود التي جمعتها بالكاد تكفي لشراء مستلزمات المدرسة لأطفالها. وذكرت: “كلما قل المحصول، قل احتياج الناس لليد العاملة”.

كإجراء لإنقاذ ما تبقى من أشجار الزيتون، لجأ بعض المزارعين في القرى إلى حفر آبار جوفية للري، لكن هذا الحل يواجه تحديات كبيرة. أبو أحمد من ريف حماة الغربي قال إن المياه الجوفية بدأت تنضب بسبب الإفراط في استخدامها، كما أن تكلفة تشغيل المضخات باستخدام الوقود أصبحت مرتفعة جداً. وأضاف: “حتى عندما نسقي الأشجار يدوياً، لا نستطيع تعويض نقص مياه الأمطار”، مشيراً إلى أوراق الأشجار التي بدأت تذبل قبل أوانها.

القلق الأكبر لدى المزارعين اليوم هو أن يصبح الجفاف ظاهرة دائمة لا موسم عابر. وبعد عدة سنوات من قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، بدأت بعض الأشجار العتيقة التي صمدت لعقود تموت واحدة تلو الأخرى. يقول أبو محمود وهو يمرر يده على جذع شجرة زيتون يزيد عمرها على مئة عام: “كانت تثمر حتى في أصعب الظروف، لكن هذا العام قد يكون آخر موسم لها”.

ولا تقتصر المأساة على الخسائر الاقتصادية المباشرة فقط، بل تمتد لتشمل فقدان جزء من التراث الزراعي والثقافي المرتبط بزراعة الزيتون في سوريا لقرون طويلة. ففي حماة، حيث كان الزيتون يشكل جزءاً أساسياً من الحياة اليومية والاقتصاد المحلي، يمثل استمرار الجفاف تهديداً خطيراً ليس فقط لمصادر الرزق، بل لهوية زراعية كاملة.

ويبقى الأمل معلقاً على عودة الأمطار في المواسم المقبلة، لكن الواقع الحالي يفرض تحديات كبيرة على المزارعين والاقتصاد المحلي في حماة، ما يجعل من الضروري التفكير بحلول مستدامة لمواجهة آثار تغير المناخ وتأمين مستقبل هذه الشجرة التي تُعد رمزا للخصب والعيش الكريم في المنطقة.

- Advertisement -

- Advertisement -