لكل السوريين

بعد إهمالها وتحولها لقطعة أثرية.. الرحى تعود لقرى الريف الحموي

حماة /جمانة الخالد 

حجر الرحى أو طاحونة الحبوب التي كان لا يخلو منزلاً منها اليوم أصبحت تركن في زوايا المنزل لدى بعض العائلات كنوع من التحف بعد أن خف استخدامها.

 

حيث عادت الكثير من المظاهر التراثية ومنها الرحى إلى قرى ريف حماة من جديد، فمضي أكثر من عشر سنوات من الصراع السوري وما رافقها من قصف ونزوح وفقر وقلة موارد كانت مدة كفيلة بعودة الحياة البدائية إلى معظم المناطق السورية.

 

والرحى حجر يستخدم في طاحونة لطحن الحبوب ويعمل يدوياً أو بقوة الدواب أو بقوة الرياح أو التيار المائي، ومنها الرحى الحجرية الدائرية وهي عبارة عن حجارتيين يشكلان دائرة ومفترقتين من الوسط ويتم وضعه الأولى على الثانية بشكل متوازي ويتم إنزال المادة المراد طحنها من ثقب صغير وسطهما ويتم تحريك باليد حتى تطحن المادة.

 

وتعتبر الرحى من الأدوات التي تستعملها المرأة منذ الصباح الباكر، فهي آلة بدائية من الحجر الخشن الثقيل، تُستعمل لجرش الحبوب وطحنها، وهي عبارة عن حجرين مستديرين يُركبُ أحدهما فوق الآخر، ويكون السفليّ منهما ثابتاً، بينما يتحرّك الحجر العلويّ حول محور خشبيّ أو معدنيّ، يسمى قطب الرَّحى، تكون قاعدته مثبّتة في أسفل الحجر السفليّ، وعندما تدور حجر الرحى فإنها تمر فوق حبات القمح أو الشعير التي توضع من فتحة دائرية صغيرة في وسط الحجر العلوي، فتتكسر تلك الحبات شيئاً فشيئاً، كلما دار عليها حجر الرَّحَى حتى تصبح دقيقاً ناعما صالحا لصناعة الخبز وكافة الأغراض.

 

ليست كل عائلة ريفية لديها رحى، ذلك أنها لم تعد متواجدة إلا بأعداد قليلة بعد ظهور المطاحن الحديثة، ففي القرية التي يتراوح عدد سكانها ٢٠ألف نسمة مثلا يتراوح عدد حجر الرحى فيها ال٤٥ رحية، ولذلك فإن نساء القرية ممن لا يمتلكن حجر الرحى يترددن لمنزل من تملكها بغية استعمالها والطحن عليها وبشكل مجاني، وفي اجتماع الجارات حول حجر الرحى تكون مناسبة لتبادل الأحاديث والمعاناة وتطورات الأوضاع والمآسي الانسانية التي تعيشها المنطقة.

 

وهي أداة يومية الاستخدام، وليست موسمية كما يتبادر لأذهان البعض، في الماضي كانت متواجدة في كل بيت، ولم تكن جداتنا وأمهاتنا يستطعن الاستغناء عنها، لكن مع التطور والحداثة لم يبق منها سوى ما ندر في بعض القرى وكأنها ذكرى طواها الماضي.

 

لا تستطيع امرأة واحدة تحريك الرحى الكبيرة بمفردها، نظراً لثقلها. ولكن عادة ما تتعاون عليها امرأتان في طحن الحبوب، ونظراً لجلوس المرأة فترة طويلة مع هذه الأداة قد توطدت علاقة قوية بين المرأة والرحى، تحكي لها ما بها من أحاسيس وشجون.

 

في الوقت الذي يعيش فيه العالم عصره التكنولوجي وتطوره الصناعي، تبقى حجر الرحى تدور بين أيادي أولئك النساء الريفيات حاملة صورة من معاناة الشعب السوري مع رحى الحرب الطاحنة التي عطلت كل وسائل عيشه، غير أنه أبى إلا الاستمرار ورغم كل الظروف.