لكل السوريين

حقوقية سورية.. حق المرأة في الميراث، أقره القانون والأديان وانتهكته العادات والتقاليد

حاورها/ مجد محمد

حق المرأة في الميراث تؤكده جميع الأديان السماوية والقوانين الوضعية، لكن للأسف تسلبه منها العادات والتقاليد البالية، وتعتبر قضية حق المرأة في الميراث من القضايا الشائكة ليست في سوريا فقط، وإنما في جميع الدول العربية والشرق الأوسط، وإن كانت ظاهرة عامة ولكنها تنتشر على وجه الخصوص في الأرياف والمحافظات والمدن النائية التي تعتبر من أكثر البقع الجغرافية تمسكاً بالعادات والتقاليد، فالمرأة وإن حصلت على حقها من التركة فهي لا تأخذه كاملاً، فهي تأخذ قدراً معيناً أو مبلغاً زهيداً في سبيل الترضية لا يعادل حصتها الإرثية كاملة.

وللحديث عن هذه الظاهرة، وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا لقاءاً مطولاً مع المحامية الأستاذة هبة اليونس، ودار الحوار التالي:

*استاذة هبة مرحباً بك بداية، إرث المرأة من القضايا الشائكة والمنتشرة، برأيك ما هي معوقات تمكين المرأة من الوصول إلى حقها الإرثي؟

أهلا بك، توجد هناك معوقات كثيرة لحصول المرأة إلى حقها الإرثي, وجميعها استندت إلى الأعراف الفاسدة والتقاليد البالية لحرمانها من نصيبها في إرث زوجها أو أبيها، فالمعوق الأول والأبرز هو خوف المرأة من المجتمع إذا قامت بطلب حصتها من الإرث، فهي ستكون وصمة عار في حقها وحتى إنها ستوصف بالمتمردة ناهيك عن القطيعة التي ستحصل بينها وبين إخوتها إذا قامت بالمطالبة، والنظرة الدونية التي سينظرها لها المجتمع، بالإضافة إلى قلة وعي المرأة يساهم أيضا في حرمانها لعدم معرفتها بالمطالبة بحقوقها أو تنازلها لغيرها من مبدأ الخجل أو حتى التدليس، ناهيك عن إن بعض النساء لا تؤيد فكرة توريث المرأة من باب أن يرث شقيقها خير من أن ترث هي، وهذه الفكرة مغروسة في الأدمغة نتيجة العادات والتقاليد والمجتمع الذكوري، ومعوقات كثيرة جداً تتراوح ما بين عدم مشاركة الغريب في الأموال إذا كانت المرأة متزوجة من خارج إطار العائلة، ناهيك عن ارتفاع تكاليف المحامين وبيروقراطية المحاكم التي تتأخر في الدعاوي لسنين وسنين ومعوقات أخرى كثيرة قد لا ننتهي من تعدادها ليوم كامل.

*إذاً حرمان المرأة من حقها في الميراث هو ظلم لها، ماذا ينتج عن ذلك أو بصيغة أخرى ما الآثار المترتبة على حرمانها من حقها من الميراث؟

لحرمانها من الميراث توجد العديد من الآثار تتراوح على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وغيرها من المستويات، فعلى الصعيد الاجتماعي، انتشار ظواهر تسيئ إلى بنية المجتمع وإلى المرأة تحديداً وتهين كرامتها كالزواج المبكر والتعرض للعنف القائم على النوع الاجتماعي والاستغلال… الخ, وذلك بسبب العادات والتقاليد المتوارثة منذ مئات السنين وحتى يومنا هذا التي حرمت فيه من حقوقها, كحقها في الميراث وحقها في العمل وحقها في التعليم فيكون مجتمع متهالك وضعيف ومتفسخ، واستمرار وجود القواعد العشائرية التي تحكم وتمارس سلطتها بمنطلق ذكوري والتي كانت من أحد الأسباب لضعف المرأة وعدم تمكنها من المطالبة بحقوقها والمشاركة الفعالة في المجتمع، وكذلك ازدياد الفجوة في المجتمع بين الجنسين نتيجة التمييز القائم على النوع الاجتماعي ونقص وعي المرأة وقلة معرفتها القانونية لحقوقها، وآثار اقتصادية جميعها تأتي من عدم وجود فكرة استقلال المرأة اقتصاديا وإدارة مواردها المالية، ناهيك عن إن حرمانها قد يبقيها في حالة الفقر والعوز وغيرها من الآثار.

*كمحامية، ما هي الأسس الشرعية لحق المرأة في الميراث؟

الأسس الشرعية تختلف من دين إلى آخر، ففي الديانة المسيحية كانت للرجل مثل حظ الانثيين ولكن مؤخراً في عام ٢٠١١ صدر قانون بالتساوي في التركة بين الرجل والمرأة، وفي الديانة اليهودية كذلك الأمر، أما في الديانة الإسلامية وإن كان الأمر مشابهاً لسابقاتها ولكن به تشعبات أكبر، فالقرآن بعدة آيات ذكر عن حق المرأة في الورثة، ولكن بوجود تفاصيل يفصّلها علم الفرائض في توزيع التركة حسب عدد الوارثين ودرجة القرابة, فيوجد حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وحالات تساوي تركتها تركة الرجل، وحالات ترث أقل من الرجل، فآية للرجل مثل حظ الانثيين لا يؤخذ بها على الإطلاق، لأن القرآن الكريم فسّر وحدد بآيات أخرى نصيب كل فرد في كل حالة بذاتها.

*هذا عن الأسس الشرعية، وماذا عن الأسس التشريعية؟

حسب نصوص القانون المعمول بها، إن الميراث هو حق شرعي لكل فرد من أفراد المجتمع، ومن المهم الحرص على إعطاء هذا الحق، فالقانون المعمول به في المحكمة الشرعية هو كما ذكرت لك في السؤال السابق يطبق علم الفرائض وتطبق أحكام الشريعة الإسلامية، ما عدا التركة في حال كانت أرض زراعية أو أرض أميرية تعطى بالتساوي بين الرجل والمرأة، والقانون يحرص على تطبيق هذا الشيء، وكدور عدل في شمال وشرق سوريا تنص القوانين على التساوي  بين الرجل والمرأة مهما كانت التركة من أموال منقولة وغير منقولة ومهما كان موقعها وقدرها.

*رغم كل ما تحدثتي به من أسس شرعية وتشريعية، إلا أنه لاتزال المشكلة قائمة، ماذا بشأن المواثيق الدولية عن حق المرأة في الميراث؟

المؤسسات والمنظمات الدولية دائما ما كانت تصدر نشرات عن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وكانت تحاول وتنشط لأبرام عهود واتفاقات دولية بين كافة دول العالم بهذا الشأن، إلا أنها كانت دائما ما تصطدم بالقوانين الوضعية للدول، وهي أيضاً لا تستطيع فرض هذا الشيء من باب عدم التدخل بالشؤون الخاصة لسيادة الدول، وعلى هذا بقيت فقط تحث وتدعم المساواة في تقسيم التركة بين المرأة والرجل بالتساوي وتوصي بها.

*حق ميراث المرأة، معضلة مجتمع أم معضلة قانون؟

معضلة الأثنين معاً، لكن هو معضلة مجتمع أكثر مما هو معضلة قانون، معضلة مجتمع ليست وليدة اليوم وإنما هذه المعضلة متجذرة منذ القدم، تعود إلى أن بعضاً من السيدات أنفسهن اللواتي لا يعرفن حقهن في الميراث، فضلاً عن أن غالبيتهن لا يجرؤن على مطالبة ذويهن بهذا الحق، ومعضلة مجتمع يقدس العادات والتقاليد البالية مع نسيان الشرع والقوانين، وأيضاً معضلة قانون، لأنه وإن كان القانون يدعم المرأة ويعطيها حقها في التركة، وإنما لا توجد قوانين صارمة تردع من تسول له نفسه بالتعدي على إرث المرأة.

*اذاً أنتي كامرأة تعمل في مهنة المحاماة، ما هو الدور الواقع على عاتقك بهذا الموضوع؟

من خلال عملي، أحاول جاهدة لتعريف النساء بحقوقهن، وتعليمهن حقوقهن المشروعة في القوانين، وخصوصاً في ما يتعلق بالإرث فكثير من النساء لا تعلم أن حقها هذا مشروع، والقانون يقف معها فيه، وإن عجزت العادات والتقاليد عن منحها هذا الحق، فالقانون يتكفل بمنحها حقوقها، وهنا يجب التنويه أن الأمر لا يتوقف على المحاميات فحسب، وإنما يجب على كل امرأة عاملة ومثقفة في المؤسسات التي تعنى بشؤون النساء تكثيف التوعية بهذا الخصوص، وهذا واجب على جميع النساء.

*ختاماً، كلمة أخيرة منك، المجال مفتوح لك..

من أساسيات تقدم المجتمعات واستقرارها وتخلصها من آفة حرمان المرأة من الميراث, هو التكافل والتراحم والتعاون بين أفراد المجتمع، فما يحدث بين الأفراد من خلافات ونزاعات حول الميراث يعود إلى تجاهل الحقوق والواجبات لأسباب تتمحور حول الجشع والأنانية وحب الذات، حيث يستغل بعض الذكور أن المرأة في المجتمع ليس لديها الجرأة للمطالبة في حقها من الميراث، وذلك احتراماً منها للعادات والتقاليد الاجتماعية حتى لو كانت هذه العادات والموروثات الاجتماعية تحرم المرأة من حقها الطبيعي.