لكل السوريين

طرطوس.. فوضى الأسعار تضعف القدرة الشرائية في رمضان

تقرير/ أ ـ ن

تستمر الاحتياجات الإنسانية في سوريا بالارتفاع ويستمر الوضع الاقتصادي الاجتماعي في التدهور، ويزداد الفقر والبطالة، وارتفع التضخم، وفق لمؤشر الحد الأدنى لأسعار سلة الغذاء، مع انخفاض إمكانية الوصول إلى السلع، وارتفاع التكاليف، وتآكل القدرة على تقديم الخدمات، مع تدهور أنظمة المياه والصرف الصحي، وتعرض خدمات الصحة العامة لضغوط هائلة، وتزايد هجرة الموارد البشرية الماهرة، وانعدام الأمن الغذائي، ارتفاع معدلات سوء التغذية، وقد تجاوزت محافظات طرطوس واللاذقية المستويات المقبولة لمستويات سوء التغذية الحاد الشامل، مع انخفاض كبير في الإنتاج في جميع المحاصيل الغذائية وكذلك في الإنتاج الحيواني، مما أثر على إنتاج الغذاء وبالتالي على توفره وأسعاره في الأسواق المحلية، وتسبب في خسائر فادحة للمزارعين والعاملين في سبل العيش المرتبطة بالزراعة وتربية الحيوانات، كما أثر على قدرتهم على تلبية احتياجاتهم المعيشية الأساسية. لقد شهدت المناطق الساحلية تغيرات معيشية واقتصادية كبيرة بين رمضان 2023 ورمضان 2024، حيث عانى الوضع المعيشي تدهورا ملحوظا بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، إضافة إلى تراجع القوة الشرائية لليرة السورية ومنظومة الأجور.

السيد جبران وهو مدرس اقتصاد سياسي في جامعة طرطوس، حيث قال: أن تكلفة وجبة الإفطار خلال شهر رمضان لعائلة مكونة من 5 أشخاص هي بين 200 حتى 300 ألف ليرة سورية، وذلك بالحد الأدنى، مع تراجع الحالة الاقتصادية، بما في ذلك ضعف القوة الشرائية للسكان الذين كانوا عاجزين في مواجهة الارتفاع المستمر في الأسعار، مع انخفاض قيمة العملة وتوقف شبه كامل للنشاط الإنتاجي، مع ابتعاد أصحاب القرار الفعليين عن اتخاذ أي إجراءات لتخفيف الأزمة التي تفاقمت لدى الشعب الذي يواجه الآن خطر الجوع بشكل فاقع، مع انسحاب الدولة من الإنفاق على الدعم الاجتماعي الذي يعتبر أساسيا للبقاء في ظل منظومة الأجور المجحفة.

الآنسة لينا وهي مهندسة بحرية في بانياس قالت: وجبة السحور والإفطار تكاليفها مرتفعة وتحتاج لمبالغ كبيرة وخارج قدرات المواطن، بهذه الكلمات بدأت، لم يعد لرمضان طقوسه وعاداته تغير كل شيء، حتى مقارنة بالعام الماضي، ان وجبة الإفطار أصبحت تكلف 50 ألف ليرة في حال كانت الوجبة خفيفة وبدون اللحم، وهذه التكلفة لا يمكن للكثيرين دفعها.

السيد أبو جعفر موظف في بلدية جبلة أكد أن الكثير من المواطنين تخلو عن عادات وطقوس رمضان بسبب ارتفاع الأسعار في الأسوق، لافتا إلى أن قدوم شهر رمضان المبارك رفع أسعار بعض المواد الأساسية، ما زاد العبء على المواطنين، لكن دخل الموظف لا يكفيه يوما واحدا، وأن عدم زيادة القوة الشرائية، ستؤدي إلى نتائج كارثية وتفكيك الأسرة والمجتمع، وكان العديد ينتظرون قدوم شهر رمضان للقيام للاحتفاء بمثل هذه الطقوس، على الرغم من أنها أصبحت عبئا على النسبة الكبيرة منهم، والكثير منهم يضطرون خلال شهر رمضان إلى بيع بعض، مما يمتلكونه في حال توفره للتمكن من تأمين متطلبات شهر رمضان، ولم تعد تحتوي على الخصوصية والحميمية في ظل الأعباء المالية الكبيرة، والتي تمنع إقامة أي طقوس فريدة من إقامة العزائم أو حتى القيام بتحضير أكثر من طبخة على الإفطار.

السيد فراس وهو قصاب في سوق الشيخ بدر أكد: أن ارتفاع أسعار اللحوم ناجم عن ارتفاع أسعار المواشي وباقي تكاليف بيعه، وأن أسعار المواشي لدى المربين ارتفعت بشكل كبير خلال الأيام القليلة الماضية وبعد الأمطار التي شهدتها المنطقة وأصبح من الصعب جدا الحصول على المواشي المطروحة للذبح، أن كل احتياجات العمل ارتفعت تكاليفها وتضاعفت عدة مرات سواء أجور النقل، وأسعار أكياس النايلون، والمحروقات التي تحتاجها المولدات للعمل، كل ذلك أدى لرفع أسعار اللحوم، إضافة الى أن مربي المواشي يحجمون عادة عن بيع مواشيهم خلال فصل الربيع، ولاسيما في المواسم التي تكثر فيها الأمطار، نظرا لتوافر الأعلاف الطبيعية من خيرات الأرض، وهذا الأمر يؤدي لقلة عدد المواشي المطروحة للبيع، وارتفاع الطلب عليها في أسواق المحافظة ومن باقي المحافظات الأخرى، إضافة إلى زيادة الإقبال على اللحوم خلال شهر رمضان المبارك، وان هذه الأسعار ستتراجع بصورة طبيعية وتدريجية مع انخفاض الطلب عليها.

السيدة سوسن محامية وناشطة اجتماعية معروفة من القدموس بريف طرطوس: تختلف النظرة إلى شهر رمضان الذي ينتظره الناس بكل الإيمان والتقوى ليعيشوا أجواءه الإيمانية، لأنه بالأصل هو مناسبة لها طقوسها الخاصة التي قد تتطلب زيادة ملحوظة على نفقات الأسرة، حيث كان الجميع سابقا يحاولون الادخار في الأشهر الأخرى لتقديم الأفضل على صعيد المأكل والمشرب واللباس، وخاصة للأطفال الذين ينتظرون حلول العيد ويعدون الأيام التي تفصلهم عنه، ولكن للأسف بات من الصعب على أصحاب الدخل المحدود أن يؤمنوا السلع الأساسية في الأشهر الأخرى، وبات من المستحيل أن يدخروا شيئا إضافيا لهذا الشهر الفضيل، فقد ذكر مشرفو سوق الهال أن الطلب على شراء الخضر والفواكه قد انخفض أكثر من خمسين بالمئة قبل شهر رمضان بسبب ضعف القدرة الشرائية لغالبية الأسر، لكن موجة الغلاء الإضافية قد بدأت إذ شهدت الأسعار قفزة إضافية في اليوم الأول من الشهر، وبات الجميع يتحدث برجاء أن يظفروا بمنحة تعينهم على الإيفاء ببعض الالتزامات الضرورية تجاه أسرهم، وكأن هذا الشهر تحول من مناسبة للإيثار والتعاون والعبادة إلى شهر للغلاء واستغلال حاجات الناس، إن المعاناة مع ارتفاع الأسعار في رمضان قضية مزمنة نعيشها منذ عقود، لكن الوضع المادي كان يساعد على تخطي ذلك الارتفاع سواء بالتوفير من الأشهر السابقة أو بالتعويل على الأشهر اللاحقة، أما الآن فقد تقطعت مع المستهلك كل السبل، وبالتالي فإن على الجهات المعنية بحماية المستهلك أن تجد حلولا لهذا الهيجان السعري الذي يفتقر للمبررات الاقتصادية والوجدانية والدينية، ولا يحوز أن نحول شهر رمضان إلى مناسبة لزيادة معاناة الفقراء ولانتفاخ جيوب الحيتان، وأعتقد أن الحديث عن ارتفاع أسعار بعض الخضر بات مملا، حيث أن الأسعار ارتفعت بنسبة تتراوح بين خمسين إلى مئة بالمئة رغم ضعف القدرة الشرائية، وهذا يحتاج إلى مزيد من ضبط الإيقاع في الأسواق التي تخطت كل الخطوط الحمراء.

السيد جابر وهو موظف في طرطوس ومن قرى الريف قال ساخرا: تذهب للبقال، فيزيد على سعر كيلو البندورة خمسمئة ليرة، وعلى سعر البطاطا ألف ليرة، ويسامح نفسه بألفي ليرة متبقية من حسابك، ثم عندما تسأله عن سبب ارتفاع الأسعار، يجيب أن التجار هم أصل البلاء، وأنهم يرفعون أسعارهم دون مراعاة حرمة الشهر الفضيل، ويختم حديثه بعبارة: اللهم إني صائم، وعندما تزور السوبر ماركت، متنزها بين المواد الغذائية، تجد الأسعار مرتفعة بحوالي 25-35٪ عن السابق، مع أغاني تصدح بالمكان، ترحب بالشهر الفضيل، تتمشى في الأسواق فلا تجد سلعة إلا وقد زاد سعرها بمناسبة قدوم شهر رمضان، إضافة إلى انقطاع غير مبرر لعدد من المواد الغذائية المحلية، بحجة ازدياد الطلب عليها  في شهر رمضان المبارك، وأغلب سائقي السرافيس، يملؤون الأجواء بالبرامج الدينية التي تتحدث عن ضبط النفس وعن أهمية التسامح والتعاون، وصلة الرحم، ومع أول سيارة تعترض طريق هذا السائق أو غيره، ينسى كل ذلك ويبدأ بالصراخ والشتم والسب، ومن ثم يختم مشكلته بعبارة :اللهم إني صائم، جميع اهل الساحل ينتظر قدوم الشهر العظيم لما فيه من خير وبركة تعم على الجميع، بالحال والأحوال، ومع ذلك فأغلب هذا الكل يتصرف في حياته اليومية دون أي اعتبار لهذا الشهر، ولا تجد مظاهر التعبد عند كثيرين إلا بعبارة اللهم إني صائم.

السيدة كوثر وهي موظفة، بينت أنها غير قادرة على تسوق احتياجات السلع الغذائية في شهر رمضان، واعتادت على شراء ما تحتاج إليه من المواد بالغرامات سواء سكر أو أرز أو شاي أو حتى السمون والزيوت، وتضيف راتبي وراتب زوجي لا يسمح لي بتغطية الاحتياجات الأساسية لأسرة مكونة من أربعة أشخاص، وتقول بأسف: لا أتذكر متى اشتريت قطعة لحوم بيضاء، رغم كل الحملات الدعائية في الأيام الماضية عن انخفاض أسعار الفروج، وتتابع: متى ستتحسن الأوضاع المعيشية، اشتقت لأيامنا عندما كنا نشتري كل ما نحتاجه من رواتبنا، اما اليوم لا تكفي لدفع فواتير الكهرباء والماء والهاتف وأجور مواصلات.

السيدة قمر وهي ربة بيت وموظفة ببانياس، فقالت: مع غلاء الأسعار وزيادة النفقات بدءا بالخضار وانتهاء بالمواد التموينية، وما نلمسه من انخفاض القدرة الشرائية وتراجع مستوى الدخل يأتينا شهر رمضان في ظروف بتنا نترحم فيها على ظروفنا الاقتصادية ، ومن المعلوم أن الصائم بحاجة للتغذية بطبخات تعد أساسية بالنسبة له، وأبسطها تكلفة طبخة شوربة العدس بأكل صحي ومفيد على الأقل حتى والتي يتطلب إعدادها مع باقي مستلزماتها مبلغ أربعين ألف ليرة، ولهذا أمام الغلاء الكبير والذي طال كل شيء سوف نختصر، وتشتري البقوليات من عدس وبرغل وأرز وقمح وطحين بعشرة آلاف ليرة من كل صنف، فليس بمقدورنا شراء كيلو من كل صنف مما سبق وهي بقوليات لا غنى عنها لدينا نحن الدراويش، أما الزيت فنشتريه بشكل فلش ووصل بنا الأمر لشرائه بالكاسة، واللحوم الحمراء والاسماك من المنسيات بسبب ارتفاع أسعارها، ليبقى لنا لحم الفروج نشتري بالقطع منه، أما طبق الفتوش والذي كان يعد من أساسيات إفطارنا فيكلف إعداده لعائلة من خمسة أشخاص من زيت وليمون وخضار وغيره ٤٥ ألف ليرة.

السيد أبو عمر صاحب محل في سوق الشيخ بدر قال: لسنوات قليلة، كنا قبل حلول شهر رمضان بأسبوع على الأقل نعمل بوتيرة جيدة من بيع وشراء استعدادا لهذا الشهر الفضيل، وكنا نعمل أغلب الأحيان حتى ساعات متأخرة من الليل، لكن هذا العام مع الأسف حركة البيع والشراء فيه شبه معدومة، عدا عن أننا نشتري بأسعار مرتفعة وهذا بدوره يضطرنا للبيع بثمن مرتفع، كالزيوت والسمون، حتى البقوليات دخلت هي الأخرى ماراثون الأسعار، فهل يعقل كيلو الحمص يفوق سعره 35 ألف ليرة وكيلو البرغل 15-18 آلف ليرة ليصبح حلما هو الآخر للبعض، بينما سابقا كان طعام الفقير، وكيلو الفاصولياء الحب حوالى 45-55 ألف ليرة، وكيلو العدس الذي يفوق سعره 25 ألف ليرة.

زميل له في السوق أراد أن يشارك الحديث يقول بحرقة: هذا العام يختلف كثيرا عن العام الماضي بالنسبة لحركة البيع والشراء، فهي خجولة والذي نبيعه طوال اليوم من جميع المواد كانت أسرة واحدة تشتريه سابقاً استعداداً لشهر رمضان، لكن كلنا نعلم الوضع المادي لأغلب الناس والارتفاع الجنوني بالأسعار الذي أثر على عملية البيع والشراء من قبل المواطنين، فهل يعقل أن يصل كيلو الشاي إلى 200ألف ليرة، وكيلو القهوة العادي جدا يبدأ من مئة ألف ليرة، وكيلو التمر المقبول نوعاً ما 60-80 ألف ليرة، هذا عدا عن الألبان والأجبان الضرورية على وجبة السحور، ومع هذا بسبب الارتفاع الكبير بأسعار مشتقات الحليب انخفضت بنسبة كبيرة مبيعاتنا وكلها بكميات قليلة، فكيلو الجبنة المشللة 65 -80ألف ليرة، وكيلو الجبنة العادية 40- 50 ألف ليرة كون موسمها الآن، وكيلو اللبنة حوالى35 ألف ليرة.