حمص/ بسام الحمد
في ريف حمص الغربي، حيث تمتد الحقول الخضراء عادةً لمسافات شاسعة، تحولت المشاهد هذا العام إلى لوحة قاحلة من اليأس والإحباط. يجلس المزارع أبو أحمد، وهو أب لخمسة أطفال، أمام أرضه التي ورثها عن أجداده، يتأمل بحرقة مساحة الثلاثين دونماً التي كان يزرعها سنوياً بالقمح، لكنها تحولت هذا الموسم إلى أرض جرداء بلا حبة قمح واحدة. “زرعت كل مدخراتي في هذه الأرض، والآن أنظر إليها وأرى مستقبلي يتبخر”، يقول أبو أحمد بصوت مكسور. لقد خسر ما يقارب 8 ملايين ليرة سورية، بين ثمن البذار وأجور العمال والوقود، دون أن يحصد شيئاً يذكر.
هذه القصة ليست استثناءً في ريف حمص هذا العام، حيث تحول موسم القمح إلى كارثة حقيقية للمزارعين. فبينما كان المزارعون يأملون بموسم جيد بعد سنوات من المعاناة، جاء الجفاف ليفسد كل التوقعات. تقول أم محمد، وهي أرملة تعيل أسرتها من زراعة خمسة دونمات: “في السابق، كنا نبيع الفائض من القمح ونشتري به ملابس العيد لأولادنا. أما هذا العام، فلم نجد حتى ما يكفينا لخبز يومنا.” لقد تحول القمح، الذي كان مصدر فخر وارتياح للمزارعين، إلى مصدر للقلق والخسارة.
تشير الأرقام الرسمية إلى أن مساحة الأراضي المزروعة بالقمح في ريف حمص الغربي قد انخفضت بنسبة 60% هذا العام مقارنة بالعام الماضي. وكانت معظم هذه المساحات تعتمد على الزراعة البعلية، التي تعرضت لضربة قاسية بسبب شح الأمطار. فبينما يحتاج القمح إلى 250 ملم على الأقل من الأمطار لينمو بشكل جيد، لم تتجاوز كمية الأمطار هذا العام 120 ملم في أفضل المناطق. يقول المهندس الزراعي خالد الحسين: “ما حدث هذا العام ليس مجرد جفاف عابر، بل هو مؤشر خطير على تغيرات مناخية بدأت تؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي في المنطقة.”
وحاول بعض المزارعين في قرية الحواش الاعتماد على الآبار الجوفية لري مزروعاتهم، لكن ارتفاع أسعار الوقود وندرته جعلت هذه المحاولات باهظة التكلفة. يقول المزارع أبو علي: “اضطررت لبيع بقرة من قطيعي الصغير لأتمكن من شراء الديزل لري الأرض، لكن حتى ذلك لم ينقذ المحصول.” هذه القصص تتكرر في معظم قرى ريف حمص، حيث وجد المزارعون أنفسهم بين خيارين مريرين: إما تحمل تكاليف الري الباهظة، أو مشاهدة محاصيلهم تذبل تحت أشعة الشمس الحارقة.
اللافت في أزمة هذا العام هو الفارق الكبير بين إنتاج القمح المروي والبعل. فبينما فشلت معظم الزراعات البعلية، حققت بعض المزارع المروية نتائج مقبولة، وإن كانت أقل من المتوقع. لكن هذه المزارع تشكل نسبة ضئيلة لا تتجاوز 20% من المساحة الكلية المزروعة بالقمح في المنطقة. ويوضح المهندس الزراعي محمد الحسن أن “الاعتماد الكبير على الزراعة البعلية دون وجود خطط بديلة يجعل المزارعين عرضة للخسائر الفادحة في أي سنة جافة.”
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد أدت أزمة القمح هذا العام إلى ارتفاع كبير في أسعار الطحين والخبز في الأسواق المحلية. يقول أبو مازن، وهو صاحب مخبز في مدينة حمص: “اضطررنا لرفع سعر رغيف الخبز مرتين خلال شهرين بسبب نقص القمح المحلي وارتفاع أسعار الاستيراد.” هذا الارتفاع ضرب بشكل خاص الأسر الفقيرة التي تعتمد على الخبز كغذاء أساسي.
ويطالب المزارعون في مواجهة هذه الأزمة، بوجود حلول عاجلة من الحكومة والمنظمات الدولية. يقول أبو أحمد: “نحن لا نريد مساعدات مؤقتة، بل نريد حلولاً جذرية مثل إنشاء سدود صغيرة وحفر آبار ارتوازية وتوفير بذار مقاوم للجفاف.” لكن حتى الآن، لم تصل أي من هذه الحلول إلى معظم القرى المتضررة.
وتطرح الأزمة في ريف حمص هذا العام أسئلة كبيرة عن مستقبل الزراعة في سوريا في ظل التغيرات المناخية. فبينما كان المزارعون يتعاملون مع الجفاف كظاهرة مؤقتة، أصبح من الواضح أن المنطقة تدخل مرحلة جديدة من التغيرات المناخية الدائمة. وهذا يتطلب إعادة نظر كاملة في السياسات الزراعية وأنماط الزراعة التقليدية. ويحتاج القطاع الزراعي بأكمله إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وجذرية، قد نجد أنفسنا أمام أزمة غذائية حقيقية لا تقتصر على منطقة معينة، بل تمتد لتشمل البلاد بأكملها.