لكل السوريين

بزخم أكبر.. ووضوح أشد.. وتنوّع لافت.. انتفاضة السويداء تدخل أسبوعها السادس

لم تتوقف المظاهرات خلال الأسابيع الماضية في محافظة السويداء، ويقول المتظاهرون إن استمرارها يؤكد حرصهم على كرامتهم الإنسانية التي باتت على المحك.

وفي اليوم الواحد والأربعين من الانتفاضة الشعبية، توافد المحتجون بأعداد كبيرة من مختلف مناطق المحافظة إلى ساحة الكرامة بمدينة السويداء يوم الجمعة الماضي، وطالبوا خلال مظاهرتهم بالتغيير السياسي، وتطبيق القرار 2254.

وفي تحرك حمل رمزية تاريخية، دخلت مجموعة من الشبان والشابات إلى الساحة وهم يرتدون الأزياء الرومانية، ويحملون لافتات تتحدث عن آثار السويداء المنهوبة والمطموسة والمدفونة تحت الشوارع في المدينة.

ولوّحت المتظاهرات بأغصان الزيتون والزهور، مع ترديد أهازيج ثورية تؤكد على وحدة السوريين أرصاً وشعباً.

وحمل متظاهر لافتة كبيرة كتبت عليها مطالب من بينها “حكومة انتقالية ودستور جديد وعودة النازحين والمعتقلين إلى ديارهم”.

وفي اليوم السابق، استمرت المظاهرات في ساحة الكرامة، ورفع المتظاهرون خلالها لافتات كتب على بعضها “أربعون يوماً وشعلة الانتفاضة مستمرة، ونريد دستوراً فوق الجميع وخاصة منظومة الحكم، والمرأة والرجل على قدم المساواة، والحرية للمعتقلين”.

وردد المشاركون من من النساء والرجال أغنية محليّة جاء فيها “تربة وطننا وما نبيعا بالذهب، سورية لنا واحنا لها للأبد، سورية حرة بشعبها وترابها”.

وأكد المتظاهرون على استمرار المظاهرات حتى رحيل النظام وتحويل مرتكبي جرائم الحرب بحق الشعب السوري إلى محكمة الجنايات الدولية، والإفراج عن المعتقلين.

كما أكدوا على التصدي لاستفزازات النظام من خلال إصرارهم على سلمية حراكهم.

الأزياء الرومانية

مع كل يوم، يقدم حراك السويداء الشعبي نموذجاً جديداً عن رقي السوريين في التغيير عن مطالبهم بدولة المواطنة العادلة بأساليب متميزة تؤكد على أحقية هذا الشعب بحياة حرّة وكريمة في بلدهم الواحد.

وفي مشهد فاجأ آلاف المحتجين وسط مدينة السويداء، دخلت مجموعة من الرجال والنساء وهم يلبسون الأزياء الرومانية القديمة، ويحملون لافتات باللغتين الإنجليزية والعربية، في رسائل تحمل مضموناً حضارياً في غاية الأهمية.

وكتبوا على إحداها “أنا زنوبيا ملكة الشرق الأوسط أسألكم أن تنقذوا مدينتي من التخريب”، وحملت اللافتات عبارات أخرى تسلط الضوء على آثار سوريا والجرائم التي تعرضت لها من تدمير وإهمال ممنهج، وخاصة في محافظة السويداء.

وأشار صاحب الفكرة إلى أن تدمير الآثار وتحطيمها لم يقتصر على التنظيمات المتطرفة والإرهابية في مدينة تدمر ومناطق أخرى من سوريا، ولم تحطم آثار السويداء تلك التنظيمات، بل حطمها ودمرها الفساد الممنهج من قبل الجهات الحكومية.

ولفت إلى أن آثار مدينة السويداء تتلاشى، ويتم تشييد المباني في المناطق الغنية بالآثار، وأشار إلى ردم إحدى أقدم الكنائس في العالم خلال تنفيذ الطريق المحوري قبل عشرات السنين.

واليوم يتم الإجهاز على ما تبقى من آثار منها المدرج الروماني الكبير، وفق تأكيده.

وقال إنه قرر تسليط الضوء من خلال الحراك الشعبي على “المجازر المروعة” التي تعرضت لها آثار سوريا والسويداء “التي لا تقل أهمية عن أي مجزرة إنسانية”.

واعتبر دخول الرجال والنساء بالزي الروماني رسالة مؤثرة من أرض أقدم حضارات العالم.

وقال “نحن في السويداء ليس لدينا بحر ولا نفط ولا مورد اقتصادي مهم، حتى الزراعة تلاشت أهميتها مع الأزمات المتلاحقة، لكن غنى السويداء بالآثار هو أبرز ما يميزها، ولو تم استثمارها بشكل صحيح ستصبح السويداء وجهة سياحية بارزة”.

دولة مدنية وفصل السلطات

اعتاد المحتجون كل يوم جمعة التوافد إلى مضافة الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الشيخ حكمت الهجري، واستبق الشيخ زياراتهم الجمعة الماضية، ببيان أكد فيه على ضرورة المشاركة الواسعة في التظاهرات، والالتزام بتنفيذ القرارات الدولية، وخاصة القرار 2254، وتطبيق الحل السياسي.

وخلال لقاء أجراه مع وفد من السيدات المشاركات في الاحتجاجات، أكد الشيخ أنه يقف بجانبهن في السعي لتحقيق المطالب الشرعية والمشروعة، ولفت إلى أن تحوّل المطالب من طابع خدمي إلى طابع سياسي يعتبر تطوراً إيجابياً، وحمّل حكومة دمشق المسؤولية الكاملة عن تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد، ورفض محاولات تشويه حراك السويداء، وأكد أنه يهدف إلى الدفاع عن الكرامة والحرية.

وشدد على ضرورة تنظيف الفساد داخل مؤسسات الدولة، وخاصة في الأجهزة الأمنية.

وخلال تطرّقه للوضع الأمني والمطالبات الشعبية بإنهاء الانتهاكات والاعتقالات التي تمارسها الأجهزة الأمنية، قال الشيخ إن هذه “الممارسات سوف تُبتر، وآخر دواء هو الكيّ”.

وركز على أن مطالب الشارع هي دولة مدنية تضمن فصل السلطات، لا أن تستدعي الأجهزة الأمنية الأشخاص كلما أرادت وعلى غير وجه حق، وأكدً أن هذه المرحلة ولّت من غير رجعة.

مظاهرة مركزية في شهبا

نظّم آلاف المحتجّين من محافظة السويداء أول مظاهرة مركزية خارج ساحة الكرامة التي اعتادوا التجمّع فيها، وتجمع المتظاهرون في مدينة شهبا استجابة لدعوة من لجنة تنظيم الحراك الشعبي وفعاليات سياسية محليّة متعدة، والتقى الذين توافدوا من القرى الشمالية والغربية المحيطة بالمدينة، إضافة إلى أهاليها في المدرج الروماني وسط المدينة في وقفة احتجاجية حاشدة، رفع بعضهم خلالها علم الثورة السورية إلى جانب راية التوحيد وعدد من الرايات التي حملت أسماء القرى والعائلات المشاركة، وطالبت بمطالب سياسية أبرزها الدعوة إلى تطبيق القرار الأممي رقم 2254، ووقف الهجمات ضد المدنيين.

وتشابهت وقفة مدينة شهبا الاحتجاجية مع الوقفات المركزية في ساحة الكرامة، من حيث أعداد المشاركين فيها ودقة تنظيمها، وشكّلت نقطة تحوّل في تظاهرات المحافظة بعدما أظهرت إمكانية إقامة تظاهرات حاشدة خارج ساحة الكرامة أيضاً.

كما شهدت المحافظة ثلاث وقفات احتجاجية رئيسية في بلدات عريقة بريف المحافظة الغربي، وبكا بريفها الجنوبي، وشقا بريفها الشمالي، وانضمت أعداد كبيرة من القرى المجاورة لهذه البلدات للتأكيد على المطالب الشعبية الداعية إلى التغيير السياسي.

واعتاد أهالي القرى على تنفيذ وقفات يومية، من خلال الدعوة لتجمع كل يوم في قرية مختلفة، يحتشد فيها أهالي القرى المجاورة، مع التركيز على التظاهرة المركزية كل يوم جمعة في ساحة الكرامة، وسط مدينة السويداء.

أوراق النظام

حتى اليوم، يغيب النظام بشكل مباشر عمّا يحدث في السويداء، ويبدو في موقف دفاعي يعيد انتشار قواته على أرض المحافظة ويعزز مقارّه الأمنية، ولكنه يسعى لتطويق الحراك وإنهاكه بالصراعات المحلية، واستنزافه بالمشاكل الأهلية المفتعلة.

ويبدو أن النظام ليس في وارد استخدام القدرة العسكرية أو الأمنية لمواجهة انتفاضة السويداء، ولكنه يعمل بإصرار على عزلها وشقها وخنقها ومنع اتصالها ببقية المناطق السورية.

ويسعى أنصار النظام من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي داخل سوريا وخارجها، إلى التحريض الطائفي ضد الحراك في السويداء، والتركيز على مجموعة من التهم المعلّبة، مثل الانفصاليين، والخونة، وعملاء إسرائيل وغيرها، وتستهدف هذه الرسائل جمهور الساحل السوري الذي بدأ بالتململ، لإظهار الدروز كخارجين عن تحالف الأقليات القائم، مما سيعرضهم لانتقام وشيك من الجيش السوري.

ولكن الانتفاضة الشعبية بالسويداء بطبيعة بنيتها وخطابها السياسي، تواجه كل ذلك بالتأكيد المستمر على مدنيتها وسلميتها وشمولها لكل مطالب الشعب السوري، وليس لمجرد رفض التهم الطائفية الموجهة إليها، أو لإثبات حسن نيتها للنظام أو لغيره، بل لأنها هبة تنادي بمطالب كل السوريين في كل مناطقهم، وتتناغم مع التوجه العربي والدولي الذي لم يعد يقبل بسياسية النظام الحاكم في سوريا.

النظام يفشل

منذ أن بدأت الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء حاولت سلطات النظام مواجهتها عبر بث الأخبار الكاذبة والمعلومات المزيفة ومحاولات استمالة بعض وجهاء المحافظة وإيجاد فئة موالية لها تعمل على الانقسام بين صفوف المحتجين.

ولكنها فشلت حتى الآن، بكل محاولاتها كما فشلت في خلق شارع مؤيد لها لمواجهة الشارع الذي يطالب بالتغيير السياسي مع اقتراب الانتفاضة من دخول في أسبوعها السابع على التوالي.

ومن ضمن هذه المحاولات كان بيان الشيخ عبد الوهاب أبو فخر الذي أعلن فيه الوقوف إلى جانب النظام، وتحدث خلاله باسم هيئة روحية لم يسمع بها أحد من قبل، ولا تحمل توقيع أي مرجعية من المرجعيات الروحية المعروفة بالمحافظة.

وأكدت مصادر محليه عديدة أن هذا البيان جاء بشكل منفرد ولا يمثّل سوى كاتبه، وأشارت إلى أن النظام لم يستطع استقطاب أي جهة دينية أو اجتماعية أو سياسية لها تواجد فعلي ومؤثر على ساحة المحافظة.

ويبدو أن محاولات النظام المتنوعة تؤكد عدم رغبته في الاستجابة للحدود الدنيا من مطالب الحراك.

والاستفزازات مستمرة

استمرت استفزازات أدوات النظام بمختلف أنواعها، لنشطاء الحراك السلمي بالمحافظة لجرهم إلى الصدام معها، وحاول عناصر الحاجز الأمني القريب من مدينة شهبا، استفزاز وفود المحتجين التي كانت تتحرك من الريف الشمالي نحو مدينة السويداء للمشاركة في المظاهرة المركزية يوم الجمعة.

ووفق مصادر محلية، تجمع حوالي ثلاثين عنصراً من الحاجز حول صورة لبشار الأسد القريبة من الحاجز، وعند مرور موكب الوفود الأهلية بدأ بعض العناصر بتوجيه السباب والشتائم والتلويح بحركات غير أخلاقية لهم، وترفّع المحتجون عن الرد وحافظوا على الهدوء مكملين وجهتهم نحو السويداء.

وكان عناصر هذا الحاجز قد أطلقوا النار الشهر الماضي، لفضّ مجموعة من المحتجين كانوا يحاولون إزالة صورة الأسد المجاورة للحاجز.

مما رسخ الانطباع لدى الأهالي بأن هذا الحاجز لا يحمي المحافظة من عمليات الخطف، ولا من شحنات المخدرات التي تمر عبره، بل تقتصر مهمته على حماية صورة بشار الأسد.

وأكد أحد منظمي الحراك أن هذه الاستفزازات المستمرة لن تؤثر على الحراك السلمي، وأشار إلى أن التمسك بسلمية الحراك هو الرد الأكبر والأقسى على أي استفزازات، ومحاولات لجرّ المحتجين إلى العنف، فالسويداء قالت كلمتها “الحراك السلمي هو السبيل الوحيد للتغيير، ولا تراجع عنه”.