حاوره/ مجد محمد
تتصاعد التوترات بين إسرائيل وحزب الله في ظل التهديدات المتبادلة، مما يعيد إلى الأذهان سيناريوهات المواجهات السابقة بين الجانبين، ورغم عدم اندلاع نزاع شامل في السنوات الأخيرة فأن احتمالية تصاعد التوتر إلى اجتياح إسرائيلي للبنان يطرح العديد من التساؤلات حول التداعيات الجيوسياسية لمثل هذا الحدث.
اجتياح إسرائيلي جديد للبنان سيعيد تشكيل التوازنات الإقليمية لحزب الله المدعوم بشكل رئيسي من إيران ويمثل محوراً رئيسياً في المعادلة الإقليمية، وبالتالي أي هجوم إسرائيلي قد يؤدي إلى تصعيد أوسع في المنطقة يجذب معه إيران وسوريا إلى الصراع، هذا التصعيد سيعيد توجيه تحالفات إقليمية، ودولاً أخرى قد تسعى إلى اتخاذ مواقف دفاعية أو هجومية بناء على مصالحها الأمنية والجيوسياسية، لبنان بلد ذو بنية سياسية واقتصادية هشة، وأي اجتياح جديد سيضعه في حالة مواجهة مباشرة مع القوى الدولية التي تسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، بينما قد تدعم واشنطن إسرائيل في أي عمل عسكري فأن روسيا قد تقف على الحياد أو تدعم حزب الله وسوريا بشكل غير مباشر مما يزيد من تعقيد الوضع، وعلى الرغم من الضغوط العسكرية التي قد يواجهها حزب الله فإن تاريخ المواجهات السابقة مع إسرائيل ولاسيما حرب عام ٢٠٠٦ يظهر أن الحزب يمتلك قدرة كبيرة على الصمود والانتشار، ومع ذلك فأن اجتياحاً إسرائيلياً كبيراً قد يؤدي إلى تقويض بنيته العسكرية ويضعف تأثيره السياسي في لبنان، بالمقابل قد يستغل حزب الله هذا الاجتياح لتقديم نفسه كمدافع عن السيادة اللبنانية مما يعزز من شعبيته محلياً وإقليمياً.
وللحديث عن هذا الموضوع وفي هذا الصدد عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الحقوقي باسل الأكرم، ودار الحوار التالي
*أستاذ باسل مرحباً بك بداية، في ظل هذا التصاعد المستمر، هل نستطيع أن نخمن أو نقرأ إنه سيكون هناك اجتياح إسرائيلي للبنان، وإن حدث ذلك ما هي تداعيات الأمر للمشهد اللبناني؟
أهلاً وسهلاً بك، لا اظن أن الاجتياح الإسرائيلي سيكون مثل ما رأيناه في عام ١٩٨٢، لأن القدرة العسكرية لإسرائيل نراها اليوم تتوفق في النتائج، فأنها استطاعت تفجير أجهزة البيجر لخمسة آلاف عنصر لحزب الله، واغتالت حسن نصر الله ومعاونيه وقيادات، فإذا استطاعت أن تفعل كل هذا بدون اجتياح لا أظنها ستقوم باجتياح وتخاطر بجنودها، طبعاً حزب الله اليوم فقد عموده الفقري وفقد القادة الشرعيين ولكنه حتى الآن يمتلك قوة، ولا يمكننا نسيان أنه فقد أكثر من ٦٠٪ من الترسانة التي يملكها، ولا يمكننا نكران أن الحزب يمتلك عقيدة طائفية لا تؤمن بشيء اسمه لبنان فهدفهم الأساسي مد الشيعة في الشرق الأوسط، اليوم لا يمكننا تشبيه لبنان بغزة لأنه في غزة يوجد حماس تمتلك السلطة وهي الأمن والوزارات بينما لبنان ليس ذلك، فالحكومة اللبنانية حتى هذا اليوم لم تمتلك من أمرها شيئاً، فالحل أظن إنه سيكون في طهران فهي المتحكم في لبنان.
*هل كرة النار آخذة في التوسع، أم سيكون هناك رد غير متوقع قد يقلب موازين القوى، وهل ستستمر المناوشات برأيك؟
المنطقة بشكل عام والشرق الأوسط مقبل على تصعيد من نوع معين، وهذا التصعيد مرتبط بما يجري وما يمكن أن يؤدي ذلك إلى استمرار حالة الحرب وحالة القتال في المنطقة، المواجهة في الجبهة الجنوبية ومن ثم انتقال إسرائيل إلى الجبهة ال
شمالية، انا باعتقادي أن الحرب على حزب الله كانت تخطط لها إسرائيل قبل زمن بعيد، تدرب الجيش الإسرائيلي ووضع الخطط للمواجهة والقتال، الأكثر من ذلك يبدو أنه هناك قراراً دولياً بالقضاء على الأذرع التي تمددت في المنطقة خاصة أذرع إيران أو ما نسميه الفاعلين من غير الدول، حزب الله لعب دوراً إقليمياً كبيراً وتمدد في الإقليم ودخل إلى سوريا وفي لبنان وباليمن، وبتقديري إنه المشهد يشير إلى الم
زيد من إمكانيات وفرص التصعيد، ولا يمكن الحديث الآن عما نسميه فرص التوصل إلى تسوية أو صفقة فهذا الآمر غائب الآن عن الطاولة
وغائب عن النقاش، والكل يتحضر عسكرياً والكل يقدم ما يستطيع من قوى وإمكانيات لتحقيق النصر، حالة الإقليم كامل تشير إلى مزيد من المواجهة، وخاصة إن هذه المواجهة بدأت تنتقل من جغرافيا إلى جغرافيا أخرى، بمعنى أنه من غزة إلى جنوب لبنان إلى بيروت وإلى حتى العراق ولربما إلى طهران، واضح من مجمل السياسات والمواقف التي يتم طرحها إنه هناك قراراً إسرائيلياً بالاستمرار في الحرب، وهناك محاولة من قبل طهران ألا تكون تلك
المواجهة في قلب العاصمة طهران أو على الأراضي الإيرانية، فهناك تسريبات أو الأحاديث التي تأتي من السياسيين في طهران تريد من خلالها القول إنها لا تريد الذها
ب إلى مواجهة مفتوحة، وأن همها الوحيد الحفاظ على مقدراتها السياسية والعسكرية وبرنامجها النووي وحتى لو أدى ذلك إلى إنهاء أذرعها في المنطقة.
*في حال لو حدث هناك اجتياح وحرب بين إسرائيل وحزب الله على الأراضي اللبنانية، أي دور إقليمي قد تلعبه إيران وأي دور دولي قد تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية؟
الأمريكيين يقولون بشكل دائم أنهم سيقفون إلى جانب إسرائيل وعلى يمين إسرائيل، شكل وحجم العلاقات الإسرائيلية والتشابك الأمريكي الإسرائيلي أبعد بكثير من الخلاف القائم الآن ما بين نتنياهو والرئيس بايدن، بمعنى أن هذا الخلاف لا ينعكس بشكل أو بآخر على حجم ونوعية التعاون الإستراتيجي العميق في شتى المجالات ما بين الأمريكيين والإسرائيليين، أما في الموقف الإيراني انا باعتقادي أن إيران على مفرق طرق الآن، ويبدو أن إيران شعرت الآن بالقوة التي قد تأتي وخطورة الرد، وأن هذا التهديد لربما يعيد إيران سنوات إلى الوراء، ويفقد إيران كل النجاح وكل المراكمات التي راكمتها في المنطقة، وعلماً إن هذه المراكمات سواءً إن كانت في لبنان أو غزة أو العراق أو اليمن هي مرتبطة بالنموذج الإيراني ومرتبطة بمنهج تصدير الثورة وأنها ليست مرتبطة بخدمة ورعاية الشعوب، وبالتالي الإيرانيين الرسميين الآن يقولون بشكل واضح أنهم لا يريدون القتال ولا يريدون العنف، أما الإيرانيين التابعين لولاية الفقيه هم من يريدون الحرب، فمن خلال تصريحاتهم يقولون ندعم حزب الله ولكن من خلال مناقشاتهم السرية فأنهم يبحثون عن تهدئة وعن تسوية كي لا تتضرر إيران بشكل مباشر من تداعيات هذه الحرب، ومعنى ذلك أن الصورة الآن أو التصور العميق للمنطقة أنه يحاول كل طرف إسرائيل أو حتى إيران أو حتى الإقليم فأن الكل يحاول قراءة المشهد من خلال المكاسب والخسائر، وباعتقادي أن الحرب لا تجر أي مكسب على الشعوب.
*ختاماً، الحديث عن الاجتياح كيف سيلقي بظلاله على مسألة التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل؟
فيما يتعلق بالتطبيع هذه الدول اتخذت قراراً بناءً على مصالحهم وعلينا أن نفهم إن الدول الآن ليست جزءاً وليست جمعيات خيرية، الدول هي حريصة على مصالحها بمعنى أن هذه الدول تذهب بالاتجاهات التي تخدم مصالحها، ما يهم الفلسطينيين هو حق إقامة دولة مستقلة بناءً على قرارات الشرعية الدولية، وهنا من المهم أن أشير إلى إن المبادرة السعودية التي تقول إنه يمكن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران ويمكن أن يجلب ذلك الأمن والسلام في كل الإقليم دون أن يذهب مرة أخرى في جو القتال، معنى ذلك باعتقادي أن كل المحاولات التي تجري في العالم يجسده مشروعات فهو المشروع الإيراني من جهة والمشروع الإسرائيلي من جهة أخرى، ويوجد في الوسط المشروع المعتدل التي تقف على رأسه المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى الذات وزن مهم في الإقليم، ويجب أن نشير إلى هذا المشروع العربي، فنحن لسنا أسرى للمشروع الإسرائيلي ولسنا أسرى للمشروع الإيراني، وأظن أنه عندما ترفع إيران حق الشعوب في المقاومة والحرية وشعاراتها الرنانة فالمنطقة ستهدأ، فيجب علينا قراءة الواقع سواءً رضينا أم لم نرضى لنصل إلى نتائج واقعية بعيداً عن الأوهام.