لكل السوريين

أكثر ما تهتم بتفاصيل الوجوه وتجاعيدها التشكيلية ريمة قوّاص: الفنان ينقل أعماله من خلال إحساسه ليضعه بين يدي البشر *عملت بجد لتطوير فن العمارة بأساليب حديثة *تجسد حياة كل حيوان في هذه الطبيعة

عبد الكريم البليخ

تقيم المهندسة المعمارية الفنانة التشكيلي ريمة قواص في النمسا منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، بعد اعتزالها التدريس في كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق لتتفرغ بصورة نهائية إلى العمل الذي شغفت به، وهو الرسم، وتحاول جاهدة خلق نمط تربية وحياة وإحساس خاص بها، وما ينقله الفنان من خلال أعماله ووجدانه ومشاعره ليضعه بأمانة بين يدي البشر مجسداً ما يرغب في طرحه والكشف عنه، والتعريف به من خلال وجهة نظره الخاصة به.. وهذا ما يجعل هناك ذائقة قائمة بين الفنان والجمهور الذي يتابع ويتأمل ما سيبوح به، ويظهره بشكل لافت للعلن برؤيته الفنية، عارضاً عليهم ما تشتمل عليه الصورة التي يحاول باستمرار إظهارها، كما يحسّ هو، وهذا ما تحاول أن تقوله وتسعى إليه من خلالها اهتمامها وشغفها به.

وعن الشخصيات التي تقف عندها، وتحاول الخوض في تجربتها، تقول: أعيش مع شخصيات لوحاتي في تقمص لظروف الشخصية وما يحيط بها، والتي أريد أن أكتب عنها ملحمة تجربتها، دون أن تتكلم عن نفسها، إنما هي مدرسة الإحساس الخاص التي تُسير ريشتي إلى مسار وروح تلك اللوحة وصاحبها..

وقد لا أفشي سراً، فأنا لا أرسم فقط البشر، وأتكلم عن قضاياهم فحسب من خلال الخطوط، وإنما أيضاً أجسد حياة كل حيوان في هذه الطبيعة، وقصص حياته ومشاعره حتى مع أبنائه ومحيطه وبيئته القاسية التي تحكم عليه بأسلوب حياة مختلف، قد يقيّد به طول حياته، وقد يكون ظالماً أو مظلوماً، نافعاً أو منتفعاً كما البشر تترتب عليه أفعال ترسم واقع حياته.

اشتغلت كثير من الأعمال التي تتكلم عن عالم الحيوان الآدمي، وعن الكائنات الحيوانية الأليفة، والشرسة الذي تكون أحياناً أرقى بتصرفاتها من بعض البشر الذين لا يريدون أن يُخرجوا أنفسهم من وهم أنهم يعيشون في غابة!، القوي منهم يأكل الضعيف وللأسف!

وبعد أن حصلت على علامة عالية في مشرع التخرج في كلية الهندسة المعمارية بدمشق كُرِّمْت بعد حصول أحد التصاميم التي اجتهدت عليها بمادة الفنون الجميلة على نوع وشكل جديد من مادة (البلوك) المفرّغ المستعمل في الزينة الخارجية للأدراج، الذي استعمل لاحقاً، والذي اعتمد في ما بعد في فن البناء، كبراءة اختراع لتصميم جديد، حيث أعجب به أساتذتي في الكلية، وعلى رأسهم عميد الكلية آنذاك الدكتور طلال عقيلي.

ومن خلال عشقي لمادة التصميم المعماري، التي أصبحتُ لاحقاً مُدرسة لها في الكلية والجامعة نفسها ما سمح لي الدخول إلى عالم الهندسة من أوسع أبوابه، وإلى هذا العمق في التخيّل والتحليل في إبداع وتصاميم الكثير من اللوحات الفنية التي تليق بفن العمارة العربية والإسلامية، مع إدخال التحديث عليها بما يتناسب وروح العمارة الشرقية، والتي أخذت من روحها فنون العمارة العالمية لما تحتويه من تفاصيل هي بحد ذاتها فن وكيان قائم وله عشاقه ومعجبوه ومحبوه، وأعتزّ وأفخر أنني كنت من الكادر التدريسي الذي عمل بكل جهد لتطوير فن العمارة بأساليب ورؤى حديثة ومبتكرة اعتمدت لاحقاً في العديد من الدول، عربية وأجنبية..

وأضافت: كان دائماً لدي هاجس وهو كيف أستطيع أن أكون روائية وكاتبة من نوع مختلف، ولكن ليس بالكتابة إنما بالريشة وقلم الرصاص والفحم.. وأتطلع إلى قراءة الحكايات من خلال تفاصيل الوجوه وتجاعيدها، ولغة العيون وما تخفي وراءها، والابتسامة والدمعة وما هي اللحظة الواقعية المعاشة لتلك الشخصية. كل ذلك دفعني للخروج عن النمطية المعتادة، رغم المستوى الاجتماعي الممتاز الذي يحتله مدرسو الجامعات في الفترة ذاتها التي كنت أدْرُس وأدرِّسْ فيها.. لكن ثمّة شيئاً يأخذني في الاتجاه المعاكس، وهو التفرغ لفن الرسم ضمن طقوس خاصة أعشق العمل بها في ركني الخاص الذي صممته لنفسي، والذي يشعرني باحتواء خاص لمشاعري في أثناء الرسم وتجسيد واقع أتخيله، وقد ساعدني كثيراً على ذلك انتقالي من دمشق العشق الأبدي إلى العيش في فيينا مدينة الهدوء والجمال والتخيل والإبداع.. حيث كانت العوامل البيئية، وجمال وهدوء الطبيعة لها الأثر الأكبر في عودة اهتمامي لرسم حكايا الناس والوجوه، وقراءتها على طريقتي، وترجمتها بإحساس عال من خلال معايشتي لظروف الشخصية التي أرغب في رسمها.. ولكل لوحة قصة معاشة ممتعة، رغم ظروف بعض الشخصيات القاسية والمؤلمة والحزينة.