لكل السوريين

قلق من “قناصي حزب الله”.. أسبوع على حراك السويداء، والمطالب تعدت الدعم المعيشي وامتدت للكرامة والعدل والمساواة

السويداء/ لطفي توفيق  

شهدت محافظة السويداء موجة احتجاجات واسعة ضد قرار الحكومة بوقف الدعم عن شرائح واسعة من الشعب السوري، وردد المحتجون شعارات تطالب بتحسين الحياة المعيشية وترفض قرار رفع الدعم الحكومي الأخير.

وتميزت الاحتجاجات هذه المرة باتساع رقعتها، حيث شملت معظم بلدات وقرى المحافظة، وبمشاركة شرائح مجتمعية جديدة من رجال الدين، وفصائل مسلحة تركت سلاحها وشاركت بالاحتجاجات بشكل سلمي، إضافة إلى المتضررين بالدرجة الأولى من القرارات الحكومية.

كما تميزت بشعاراتها التي تعدّت موضوع الدعم إلى المطالبة بالعدالة والكرامة والمساواة.

وردد المتظاهرون شعارات مثل “لا شرقية ولا غربية بدنا سوريا بدون تبعية”، و”كرامة مساواة عدالة”، و “ما ظل شيء للفقير”.

ومع أن السلطات لم تتعرض للمحتجين حتى الآن، واقتصر تدخلها على محاولة عدد من ضباط الشرطة التحدث مع المحتجين والسؤال عن طلباتهم، ورد المحتجون بقولهم “انتو اخوتنا، امشوا من هون منشان ما يصير صدام بينا وبينكن”، فانسحب الضباط وعناصرهم إلى مبنى المحافظة وقيادة الشرطة، وتموضعوا في عدة نقاط على سطوح هذه الأبنية.

ولا تستبعد أوساط اجتماعية أن تعمل العصابات المسلحة المحلية التي تساهم في الحراك على تسخين الأوضاع لتبرير تدخل الأجهزة الأمنية في قمع الحراك السلمي.

وأن يقوم بعض المغرضين بالاصطياد بالماء العكر من خلال استخدام عبارات طائفية، لتخرج الحراك الوطني عن مساره، كما حدث من قبل بضعة أشخاص من المشبوهين.

بيان الحراك

وزع المشاركون في الاحتجاجات الشعبية، بياناً صادراً عنهم، أكدوا فيه وصول تعزيزات عسكرية كبيرة إلى السويداء، ترافقت مع التسويق بأن هذه التعزيزات جاءت للقضاء على العصابات المسلحة والفلتان الأمني في المحافظة.

وتساءل البيان عن تزامن هذا الإجراء مع الاحتجاجات الشعبية التي يقوم بها أبناء المحافظة رداً على قرارات الحكومة الجائرة بحق الشعب السوري وسياسات التجويع المقصود والمجحف.

كما أكد البيان على ثوابت الحراك الشعبي بقوله “نؤكد ونصر على:

– سوريتنا هويتنا وكرامتنا.

– مؤسسات الدولة مؤسساتنا وحمايتها واجبنا قبل أي جهة أخرى.

– نرفض ما يشاع عنا بالعمالة والاندساس ونحمل مسؤولية القول لصاحبه.

– نحن أصحاب حق ومطالب واضحة في العيش الكريم الذي يليق بنا، وبتاريخ سورية ومستقبل أبنائنا.

– مواصلة الاحتجاجات بكل الطرق السلمية والمدنية والحضارية للحصول على حقوقنا ومطالبنا المحقة.

– نصر على رفضنا للفساد والمتاجرة بقضايانا المطلبية المحقة التي يقوم بها بعض المسؤولين الفاسدين والمتسلطين على رقاب هذا الشعب دون رادع قانوني أو أخلاقي وبلا مسؤولية وطنية أو سياسية.

– ندعو أخوتنا في المحافظات السورية الأخرى للوقوف مع أخوتهم بالسويداء بالطرق السلمية الممكنة.

– نحذر من افتعال الفتن وتشويه تاريخنا وحاضرنا”.

وأشار البيان إلى أن “أبناء جبل العرب الأشم الذين حرّموا الدم السوري منهم وعليهم، حذرون لما يحاك بالغرف المظلمة، وسنعمل جهدنا بإدراك وحرص ومسؤولية وطنية على تفويت الفرصة على كل متربص بنا ولا يريد خيراً لنا ولكل السوريين”.

وحذر مما يبيت للمحافظة من شر وظلم وإراقة دماء “لمصلحة ثلة من الفاسدين والمتعجرفين غير المسؤولين عما يفعلون ويخططون”.

وأهاب بمن بقي على مواقفه الوطنية من أجهزة ومؤسسات الدولة “أن يعمل لمصلحة أبناء هذا الشعب من كل السوريين، ويعمل على إحباط وإفشال تلك المخططات الخبيثة التي لا تحمد عقباها”.

بلبلة وترقب في الشارع

أثار اشتراك العصابات المسلحة بالوقفات الاحتجاجية، وزعمها أنها تحمي المحتجين، قلق المواطنين في المحافظة من الدور الذي ستلعبه هذه العصابات لدرجة أوقفت معها بعض القرى مساهمتها بهذه الوقفات الاحتجاجية، كما حدث في قرية “الهيات” التي اعتصم أهلها منذ البداية، تضامناً مع الحراك السلمي في المحافظة، ثم توقفوا، وقالوا في بيان لهم “أجمعنا نحن أهالي قرية الهيات على إيقاف الاعتصام  بشكل مؤقت كي لا نكون جسراً لعصابات الخطف التي تحاول زرع الفتنة بين الاهالي، ونؤكد أننا سنعود إلى الاعتصام حين يتم تحييد هذه العصابات عنه، وندعو كافة القرى والاهالي إلى النظر والتمعن بقرارنا وأسبابه كي لا يكونوا معبراً لتلك العصابات التي نعلم من دس بها في الشارع ولماذا”.

كما ساهمت في بلبلة الموقف مجموعة من المحللين المغرضين الذين يترصدون نتائج الحراك ليكتبوا عن عيوبه، ويتهموا الناس بالجهل.

وإذا نجح سيجدون تحليلا لنجاحه، منطلقين من أن هذه المرة الشارع انطلق من حاجته وأفرز قيادته، فكانت بوصلته صحيحة.

كما تعيش المحافظة حالة من القلق والترقب بعد أن تسربت أنباء عن وصول قناصين من القوى الأمنية وآخرين تابعين لحزب الله اللبناني إلى السويداء، وتزويد عناصر مكافحة الشغب التابعين لوزارة الداخلية بالقناصات لإحداث حالة من الفوضى في المنطقة بتنسيق إيراني.

أسبوع من الحراك المتواصل

شهدت محافظة السويداء سلسلة احتجاجات، وقطع الأهالي الطرقات في بلدات “القريّا، وشقّا، ومجادل، ونمرة شهبا، وحزم” وسط حالة من الغضب اجتاحت الشارع بعد قرار الحكومة برفع الدعم عن مئات آلاف العائلات في سوريا.

وفي اليوم الثاني تجددت الاحتجاجات، وامتدت إلى مناطق جديدة في المحافظة، وتصاعد الحراك في مدينة السويداء وتجمع المحتجون أمام مبنى الهيئة الروحية للطائفة، قبل أن ينتقلوا إلى مركز المدينة رافعين شعارات تطالب بالعدالة في توزيع الثروة الوطنية، ومحاسبة الفاسدين، وطالب بعضهم بتطبيق قرار مجلس الامن 2254 الذي ينص على انتقال سلمي للسلطة في سوريا.

وشارك في هذه الاحتجاجات مدنيون، ورجال دين، ومعارضون، كما شهدت الاحتجاجات حضوراً لافتاً لمجموعات مسلحة محلية شاركت فيها دون سلاح، وفرض المحتجون على موظفي مجلس المدينة مغادرة مكاتبهم، وطلبوا من التجار إغلاق محالهم.

وانفضّ الاحتجاج بشكل سلمي، وسط دعوات المشاركين إلى جعل الاحتجاجات يومية، إلى أن تستجيب الحكومة لمطالبهم.

كما تصاعد الحراك في قرية “نمرة” شمال شرقي السويداء، حيث أغلق الأهالي الطريق إلى مدينة شهبا حتى الساعة الواحدة، ولم يسمحوا بالمرور إلا للطلاب والحالات الإسعافية.

وأغلق محتجون آخرون طريق دمشق السويداء عند قريتي “حزم وخلخلة” مع السماح لطلاب الجامعات والحالات الإسعافية بالمرور، وفتح الطريق كل ربع ساعة أمام جميع السيارات.

وفي بلدة “شّقا” شمال شرقي السويداء، قطع عشرات الشباب الطرق المؤدية إلى البلدة بالإطارات المشتعلة.

وفي قرية “مجادل وبلدة عريقة” بالريف الغربي، وقرية “قيصما” بالريف الشرقي، تم إغلاق الطرق حتى الساعة الواحدة ظهراً.

وفي اليوم الثالث تداعى العشرات، إلى ساحة السير الرئيسية في مدينة السويداء، مجددين وقفتهم الاحتجاجية، تنديداً بسياسات السلطة التي أدت لتدهور حاد في الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

واستمر احتجاج الأهالي في مركز المدينة لعدة ساعات، وكانت الشعارات والهتافات متنوعة، وجميعها تصب في سياق يشير إلى غضب الشارع من سياسات السلطة، سواء المطالبة بتغيير سياسي، أو بتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية، وانفض الاحتجاج بشكل سلمي.

ودعا المنظمون لتجديد الوقفة في اليوم التالي، والتركيز على الدعوة لاحتجاج رئيسي يجمع كل المحتجين من مختلف المناطق يوم الجمعة.

وفي اليوم الرابع تجدد قطع الطرق، تزامناً الوقفة الاحتجاجية في الساحة الرئيسية في مدينة السويداء.

ومع استمرار وصول التعزيزات الأمنية من دمشق، تجددت لليوم الخامس على التوالي، الوقفة الاحتجاجية في مدينة السويداء، مع تراجع ملحوظ في أعداد المشاركين فيها.

واقتصرت على وقفة لا تتجاوز نصف ساعة وسط المدينة، ولم تشهد المحافظة في هذا اليوم أي قطع للطرق.

وشهدت مدينة السويداء منذ فجر يوم الجمعة الماضي استنفاراً أمنياً غير مسبوق، وانتشار عشرات العناصر من قوى الأمن والجيش مع سيارات مزودة برشاشات متوسطة، في الساحات والطرق الرئيسية، وفي محيط المراكز الحكومية.

وأغلاق الطرق المؤدية إلى مبنى المحافظة بعربات مصفحة، مع انتشار كثيف في الساحات وطرق المدينة الرئيسية منذ ساعات الصباح الأولى ، وهو ما اعتبره المحتجون تلويحاً باستخدام القوة، ودفعهم إلى تغيير مكان وقفتهم الاحتجاجية التي استمرت لمدة ساعتين، وشارك فيها  المئات من السكان، ورفعت فيها هتافات وشعارات وطنية، وانفض المحتجون بشكل سلمي دون وقوع صدام مع القوات الأمنية المنتشرة في محيط المربع الأمني وسط المدينة، وأعلن المنظمون رغبتهم تجديدها في وقت يحدد لاحقاً.

ويبدو أن منظمي الحراك قرروا التريث باستمرار تحركاتهم، حيث صدر بيان عنهم، جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين

اننا كمنظمين لهذا التحرك الشعبي السلمي المحق ونتيجة للمباحثات بمجلس الحراك قررنا أن نعطي مهلة لتنفيذ قرارات أهلنا المحقة ضمن دولة القانون والمؤسسات لا دولة الفساد والمفسدين، فهدفنا كرامة الشعب بالدرجة الاولى وما ينطوي تحت ذلك من العيشة الكريمة التي لا يشوبها الذل والهوان وذلك بناء على توجيهات من الهيئة الروحية.

وهذا لا يعني أننا توقفنا عن حراكنا الشعبي فنحن مستمرون ولكن لن نسمح لاحد بأن يفوت علينا هذه الوقفة لغايات ومقاصد نحن لا نسعى لها”.

واشار البيان إلى أنه سيتم التعامل بعد هذه المهلة حسب معطيات الواقع.

يذكر أنه يسود اعتقاد ضمني عند الأهالي، أن رفع الدعم سيشملهم جميعاً عاجلاً أم آجلاً، كأي قرار تطبقه السلطة تدريجياً.

كما يبدو أن إعلان الحكومة عن استقبال اعتراضات الأهالي على المنصة الإلكترونية، واستئناف دعم المعترضين حتى يتم تدقيق بياناتهم، مجرد إجراء ضمن خطة تطبيق القرار بالحد الأدنى من المشاكل، بعد أن تمتص غضب السكان.