لكل السوريين

ارتفاع للأسعار في سوريا يعصف بآمال المواطنين ويُفرغ زيادات الرواتب من مضمونها

دمشق/ مرجانة إسماعيل

رغم استقرار سعر صرف الدولار في السوق الرسمية، تشهد الأسواق السورية موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، بالتزامن مع إعلان الحكومة عن زيادات في الرواتب والمنح، ما أثار استياءً واسعاً لدى المواطنين الذين وصفوا الوضع بأنه “حلقة مفرغة” تبتلع كل محاولة لتحسين مستوى معيشتهم.

ففي الوقت الذي كانت تأمل فيه العائلات السورية أن تسهم الزيادات الأخيرة في التخفيف من الأعباء اليومية، جاءت صدمة الأسواق لتقضي على تلك الآمال، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية والخضروات والسلع الأساسية بنسب تراوحت بين 20 و50% في بعض المناطق، دون أي مبرر اقتصادي واضح.

أم علي، وهي معلمة في إحدى مدارس دمشق، أوضحت أن راتبها زاد بمقدار 50 ألف ليرة سورية، إلا أن هذا المبلغ لم يعد يُحدث فرقاً بعد أن ارتفع سعر كيس الخبز من 5 إلى 8 آلاف ليرة. تقول بغصة: “الزيادة التي فرحنا بها ذهبت إلى جيب البقال قبل أن تصل إلى جيبنا”.

أما أبو محمد، الموظف في القطاع الحكومي، فيؤكد أن الأسعار ارتفعت مباشرة بعد إعلان الزيادة، قائلاً: “كأن التجار كانوا بانتظار القرار ليهجموا على جيوبنا. كل شيء ارتفع خلال يومين فقط”.

يُرجع اقتصاديون هذا الارتفاع إلى خلل هيكلي في البنية الاقتصادية السورية، حيث ما يزال هناك فرق كبير بين سعر الدولار الرسمي والسعر في السوق الموازية. هذا الخلل يدفع الكثير من التجار إلى تسعير بضائعهم وفق السوق السوداء، خاصة وأن أغلب المواد الخام والمستوردة تُشترى بالدولار غير الرسمي.

في حمص، يقول سمير، صاحب ورشة لصناعة الأحذية: “أسعار المواد الأولية مثل الجلد واللاصق ترتفع باستمرار، وأنا مضطر لرفع الأسعار رغم أن الزبائن يشتكون. نحن أيضاً ضحايا، ولسنا مستفيدين”.

في الأسواق الاستهلاكية، يتكرر المشهد نفسه. منى، وهي أم لثلاثة أطفال في اللاذقية، وصفت ما يحدث بأنه “سباق بين الراتب والسعر”، مشيرة إلى أن علبة الحليب التي كانت تشتريها بـ15 ألف ليرة أصبحت تُباع بـ22 ألفاً فور الإعلان عن زيادة الرواتب.

اللافت أن حتى الخضروات الموسمية مثل البندورة والكوسا، ورغم وفرتها، شهدت ارتفاعاً حاداً في الأسعار. ويقول مزارعون إن تجار الجملة يتحكمون بالسوق، في حين يُرجع التجار هذا الارتفاع إلى تكاليف النقل والوقود، ما يجعل المواطن يدفع الثمن النهائي لهذه السلسلة.

ورغم الشكاوى المتكررة، تُوصف الرقابة الحكومية على الأسعار بأنها “ضعيفة وغير فاعلة”. كثير من المحال ترفع الأسعار دون أي رادع، مستفيدة من قلة البدائل، في وقت تبقى فيه مبادرات مثل “معارض السلعة الرخيصة” محدودة التأثير ولا تفي بحاجة السوق.

في ظل هذا الواقع، يتزايد الشعور بفقدان الأمل لدى المواطنين. فاطمة، متقاعدة من مدينة حماة، عبّرت عن هذا الشعور بمرارة قائلة: “كل زيادة في الراتب كالملح على الجرح. لم أعد أصدق أن شيئاً سيتغير. الزيادة مجرد وسيلة لاستنزافنا أكثر”.

وفي وقت يعاني فيه المواطنون والتجار الصغار، تطرح تساؤلات حول من يستفيد فعلياً من هذه الدوامة. يرى مراقبون أن الجهات المسيطرة على سلاسل التوريد، والتي تستفيد من الفوضى الاقتصادية، هي الطرف الوحيد الذي يحقق أرباحاً على حساب المواطنين، في وقت يتجه فيه الاقتصاد الوطني نحو مزيد من الهشاشة والانقسام الطبقي.

وسط هذا المشهد المتأزم، تبقى معاناة السوريين اليومية مرآة لانعدام الحلول الجذرية، وعجز الإجراءات الحكومية عن ضبط الأسواق، مما يعمّق الفجوة بين القرارات الرسمية وواقع المواطن البسيط، ويُبقي الأمل في تحسن الأوضاع بعيد المنال.

- Advertisement -

- Advertisement -