لكل السوريين

الرسم العجمي.. فن الديكور الذي يعرفه الدمشقيون

عرف الدمشقيون حرفا كثيرة تقترب من الفن واختص سكان العاصمة السورية فيها، من ذلك الرسم العجمي أو الدمشقي الذي زينوا به قصورهم ومنازلهم واهتمت به الفنادق الحديثة، ما يجعله قبلة للحياة والازدهار في ظل اندثار الحرف الأخرى.

الرسم العجمي أو الدهان الدمشقي حرفة أبدع فيها الفنانون الدمشقيون عبر العصور وتزينت به قاعات الاستقبال وصالات المنازل الدمشقية القديمة.

يقول الحرفي محمد تقي الدين وهو متخصص في الرسم العجمي، إن الحرفيين الدمشقيين طوروا هذا الفن عبر العصور واشتهروا به عالميا وأهم ما يميزه المادة النباتية التي تعطي الشكل الزخرفي النافر، وسر جماله وسحره هو الفنان الذي يرسم اللوحات والتحف الفنية.

ويقوم الحرفي بطباعة الشكل النباتي أو الهندسي الذي يرغبه على لوح خشبي مصقول الوجهين بعد رسمه على ورق الكليك، وهو ورق يسمح بطباعة الأشكال بدقة متناهية.

ومن ثم يقوم الحرفي بصنع خلطة مؤلفة من ثلاثة عناصر، هي الزنك و السبيداج والغراء العربي على شكل معجونة، ويستخدمها بريشة خاصة ضمن مجال الرسم المنفذ، بحيث تكون نافرة مع استخدام أداة خاصة للحصول على حواف دقيقة تتطابق بين الرسم وبين المعجونة، وتكون السماكات على قدر واحد دون أدنى خطأ يشوه التصميم الفني.

ويترك التصميم بعد ذلك لمدة يوم أو يومين حتى تجف المعجونة بشكل كامل وتصبح جاهزة لامتصاص الألوان التي ستوزع على العروق النباتية أو الأضلع الهندسية بشكل دقيق، ويكون هذا التوزيع بواسطة ريش خاصة ذات مقاسات مختلفة للحصول على تجانب دقيق للألوان دون حدوث أي تداخلات.

وبعد الانتهاء من الألوان القزحية يأتي دور أهم مؤثر بصري في الرسم وهي الألوان الفضية والذهبية التي تتركز في الغالب على البؤر الحساسة في التصميم كالأوراق أو مراكز الرسوم أو الأضلع، في حين تترك المسافات الداخلية لتملأ بالألوان الأخرى كالأصفر أو الوردي أو الأخضر أو غيرها.

ويتم تركيب اللوح بعد ذلك على شكل أسقف أو جداريات، وغالباً ما تزين بها القصور وصالات الاحتفالات أو قاعات الاستقبال أو غرف الضيوف، والمكاتب والكراسي والأبواب والنوافذ.

وقال تقي الدين لوكالة الأنباء السورية، “تعطي هذه الرسوم الإحساس بالاستقرار والثبات لأن هذه الزخارف ورغم ما تعيشه من  سكون فهي في الحقيقة حيوية ذات اتجاه حركي تعطي إحساسا بالحركة لمحاكاة الاتجاهات الهندسية بين المربع والدائرة والمثلث”.

ويحاول الحرفيون المحافظة على هذا الفن الدمشقي العريق، يقول عرفات أوطه باشي أحد الحرفيين المختصين، إنه كمعظم حرفيي هذه المهنة أخذها أبا عن جد وحافظ عليها، ويحاول دائما أن يورثها للمغرمين بها.

ويضيف، أنه استمر في هذه الحرفة التي تعتبر من أقدم الحرف التقليدية في التاريخ الدمشقي، ولديه أعمال كثيرة داخل دمشق وخارجها وعدة أعمال في السعودية وبريطانيا وأغلب الدول العربية، وهو يعمل اليوم على المحافظة على المهنة بنقلها إلى أبنائه، منوها بدور وزارتي السياحة في دعم وتشجيع جميع الحرف اليدوية من خلال إقامة المعارض وأسواق المهن اليدوية في دمشق وحلب وحماة.

ويعد المسجد الأقصى أول مكان شهد بزوغ فن الزخرفة على الخشب في زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك على أيدي صناع دمشقيين مهرة.

ويتميز الرسم العجمي بشهرة عالمية حيث يضم “متروبوليتان” أشهر متاحف العالم، قاعة تحمل اسم دمشق، وهي مزخرفة بفن العجمي، كما أن قاعة مكتبة جامعة نيويورك مزخرفة بهذا الفن الشامي.

وبيّن أوطه باشي، أن الفنان يستوحي من الطبيعة أشكال رسومه ويحاول تجريد الطبيعة والخروج بها عن المألوف من خلال مقدرته على محاورة الأشكال وجرد النباتات من أصولها حتى أصبحت أشكال وعناصر زخرفية .

وختم حديقة بالقول، إنه يعشق حرفته التي تتسم بالفن والدقة وتحتاج إلى الصبر في العمل، وأنه يبحث دائما عن ابتكارات جديدة سعيا لضم بصمته إلى بصمة أجداده في الماضي لتبقى دمشق وهي أقدم عاصمة في التاريخ تزخر بأهم الحرفيين السوريين الذين أدهشوا العالم بفكرهم الخلاق وإبداعهم المستمر.

وزاد من انتعاش هذا الفن ظهور المطاعم في دمشق القديمة عادة إحياء البيوت الشامية القديمة والحمامات، واستثمار معظمها سياحياً كما أن الفنادق الحديثة اختارت تخصيص قاعات مزينة بالعجمي في محاولة للتميز واكتساب مسحة جمالية تراثية.

هذا الازدهار دفع بالكثيرين ممن هجروا المهنة إلى العودة لها، كما شجع هذا عدداً جيداً من الشباب على تعلم المهنة على أيدي المعلمين والانخراط فيها.