لكل السوريين

الحديقة العامة في حلب… متنفس الحلبيين المنسي

حلب/خالد الحسين
في قلب مدينة حلب، وتحديدًا في حي العزيزية، تمتد الحديقة العامة كواحدة من أقدم وأشهر المساحات الخضراء في المدينة، تشكّل ما يشبه الرئة البيئية الأخيرة في مدينة أنهكتها الحرب والتقنين وضغوط الحياة اليومية.

هذه الحديقة، التي تعود بداياتها إلى أوائل القرن العشرين، لا تزال حتى اليوم مقصداً مفضلاً للعائلات والأصدقاء، خاصة في عطلات نهاية الأسبوع، حيث يفرّ الأهالي إليها بحثًا عن هواء نقي، ومكان آمن لأطفالهم للّعب، ومساحة مجانية للراحة بعيدًا عن صخب المدينة وهمومها.

فسحة بسيطة… وحنين إلى زمن أجمل

في جولة صباحية أجراها مراسل “السوري” يوم الجمعة، كانت الحديقة تغص بالعائلات من مختلف أحياء المدينة، تحمل طعامها البسيط وتفترش العشب في مشهد يجمع بين الألفة والهدوء.

فاطمة الأحمد (45 عامًا)، جاءت من حي المشارقة مع أطفالها، تقول:

“هذه الحديقة هي المكان الوحيد اللي بنقدر نطلع فيه. لا مطاعم ولا ملاهي نقدر نروحها. هون الأولاد بيركضوا، ونشم شوية هوا.”

أما لؤي تحسين، طالب جامعي من حي المرديان، فيقول وهو يراقب الأطفال يلعبون:

“زمان كانت الحديقة أنظف، الأرض مليانة ورد والنوافير شغالة. اليوم للأسف، الحديقة طبيعتها جميلة، بس محتاجة عناية حقيقية.”

ويضيف أبو يوسف، رجل سبعيني يتردد يوميًا للمشي:

“أنا بعتبرها بيتي الثاني. بجي كل يوم أتريض فيها وأشوف أصحاب قدامى. بس في قمامة، وفي تصرفات مو حلوة أحيانًا. نتمنى من البلدية تهتم أكتر.”

إهمال واضح رغم الأهمية

رغم إقبال الزوار المستمر، تعاني الحديقة من إهمال خدمي واضح: مقاعد متهالكة، نوافير معطلة، دورات مياه غير صالحة، قمامة متناثرة في الزوايا.

بعض الزوار يبذلون جهودًا فردية في التنظيف، لكن الحديقة باتت بحاجة ماسة إلى حملة نظافة وصيانة شاملة، تشمل تأهيل البنية التحتية، وزيادة عدد العمال، وتركيب لوحات توعوية تدعو للحفاظ على المرافق العامة.

مع ارتفاع درجات الحرارة، وضيق الخيارات الترفيهية المجانية، تمثل الحديقة العامة ملاذًا يوميًا لسكان المدينة، وليس مجرد مكانًا للتسلية. العناية بها ليست ترفًا، بل ضرورة حضارية وبيئية.

تبقى الحديقة العامة في حلب شاهدًا على ذاكرتها المدنية، ومرآة لعلاقتها مع أبنائها. ولا يمكن استعادة ألقها الحقيقي إلا حين تستعيد اهتمام الجهات المعنية، وتعود إليها العناية التي تستحقها كرمز للراحة والانتماء.