تقرير/ اـ ن
يرى سوريون عاملون في الحقل السياسي والمجتمع المدني أن مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في العاصمة السورية دمشق، بأنه مؤتمر شكلي وكان “رفعاً للعتب”، وتم عقده على عجل وبشكل مباغت.
وفي حديث لصحيفة السوري قال، السيد غ.ا وهو مهندس ومدرس في المعهد الهندسي وهو شيوعي وعضو حزب سياسي قال: إن اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار تشكلت فجأة، وخلال أيام قلائل تنهي كل الإجراءات التمهيدية لتعلن عن موعد انعقاده الرسمي بطريقة مباغتة، وهذا يدل على أن الفكرة – على الرغم من أهميتها – يشوبها كثير من الارتجال من دون أن تخضع لدراسة مستفيضة من جميع الجوانب.
ووصف المهندس، أن إرسال الدعوات التي وجهت إلى من هم خارج سوريا جاءت لرفع العتب، أو ربما للتعجيز، إذ كيف توجه الدعوات قبل يوم واحد من انعقاد المؤتمر (الأحد 23 شباط)، وفي هذه الحال يمكن لمن يمتلك طائرة خاصة أو من له نفوذ بإحدى شركات الطيران – فقط – أن يحضر، ربما تكون مسألة معايير توجيه الدعوات وكذلك مسألة التمثيل هي بالفعل من أكثر المسائل تعقيداً.
إقصاء الإدارة الذاتية وقسد
وانتقد المهندس السوري، عدم توجيه الدعوة لقوات سوريا الديمقراطية تحت ذريعة أنها تنظيماً عسكرياً رفض الاندماج في وزارة الدفاع في السلطة الجديدة في دمشق، كما غاب عن المؤتمر ممثلي الإدارة الذاتية التي تدير إقليم شمال وشرقي سوريا، ورغم عدم مشاركة الأكراد في المؤتمر بصفتهم التنظيمية إلا أن أكراداً حضروا بصفة شخصية.
وقالت ناشطة حقوقية من مدينة اللاذقية، تحفظت على ذكر اسمها، إن الانتهاء من الحوار الوطني، وما شابه من استعجال وفوضى وتوصيات فضفاضة غير ملزمة، وإقصاء لقوى وانتقاء للمشاركين، بالتزامن مع إعلان الاتحاد الأوروبي تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة مراجعة سياستها حيال سوريا، وسط حديث عن مراقبة دقيقة لما يجري، وعدم تجاوز خلفية السلطة في دمشق المتشددة.
ورأت الناشطة الحقوقية، أن اجتماعات الحوار في دمشق لم يشارك فيها الممثلون الحقيقيون للشعب السوري، مضيفةً أن المؤتمر لا يمثّل الشعب السوري وبعيد كل البعد عن طموحات السوريين، وأن سلطة دمشق استعجلت في إنهاء “مؤتمر الحوار الوطني السوري” الذي انعقد خلال يومين، ولا يمكن إطلاق مؤتمر حوار لا يجمع كل الأطياف السورية، ولا يوجد فيه تمثيل لكل الجهات والمكونات والمناطق والقوى السياسية، توصيات البيان الختامي كانت عامة، وأعتقد بأنه لا يختلف عليها أحد، ولم يتم ذكر بعض النقاط الضرورية مثل: شكل أو توجه الدولة السورية، إن كان علمانيا أم إسلاميا، ولم يتم تحديد مدد زمنية للعمل بالدستور أو تشكيل المجلس التشريعي.
وذكرت الناشطة الحقوقية ضعف تمثيل النساء في المؤتمر، وعدم استيفاء الجلسات التحضيرية لعناوين مهمة وخاصة فيما يتعلق بالجندرة والعمل النسوي في سوريا، لكن أُسدلت أخيراً الستارة على “مسرحية” الحوار الوطني في سوريا، عبر بيان ختامي تم إقراره بعد ساعات قليلة من عقد المؤتمر، على رغم احتوائه على عناوين براقة، عدم تحديد مسار واضح أو خطوات محددة لتنفيذه.
واعتبرت الناشطة الحقوقية، أن سلطة دمشق تمكنت عبر هذه المخرجات، من التأسيس لأرضية متينة لتعزيز تحكمها بمفاصل الدولة، الأمر الذي بدا واضحاً في برنامج الحوار ذاته، وبهذه المخرجات، تنتهي خطوة الحوار الوطني التي جرت على عجالة، عبر لقاءات سريعة في المحافظات السورية، ومؤتمر تم عقده لبضع ساعات ناقش خلاله مئات الأشخاص جميع التفاصيل.
إقصاء للقوى الفاعلة
وقالت م.ع وهي ناشطة حقوقية في حديث لصحيفة السوري، إن المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني، تم اختيارهم من سلطة دمشق للمشاركة في الفعالية التي شهدت إقصاء قوى عديدة فاعلة على الأرض، بعضها يمثل جماعات معارضة للنظام السوري السابق، إلى جانب القوى السياسية في شمال وشرق سوريا، وجميع الجهات والفعاليات المرتبطة بنظام الأسد.
وتضمن البيان الختامي، والذي قرأته عضو اللجنة التحضيرية، رسالة مباشرة إلى القوى الغربية التي تنتقد ضعف مشاركة المرأة في السلطة، في خطوطه العريضة، 18مخرجاً، ومجموعة كبيرة من التوصيات، أبرزها: الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها على كامل أراضيها، ورفض أي شكل من أشكال التجزئة والتقسيم أو التنازل عن أي جزء من أرض الوطن، وإدانة التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، والإسراع في إعلان دستوري مؤقت لسد الفراغ الدستوري بعد تعليق العمل بالدستور، والإسراع في تشكيل المجلس التشريعي المؤقت، والذي سيضطلع بمهام السلطة التشريعية، بعد حل مجلس الشعب، وتشكيل لجنة دستورية لإعداد مسوّدة دستور دائم للبلاد.
كما خلصت التوصيات إلى تعزيز الحرية، واحترام حقوق الإنسان، ودعم دور المرأة في المجالات كافة، وحماية حقوق الطفل، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وتفعيل دور الشباب في الدولة والمجتمع، وترسيخ مبدأ المواطنة، وتحقيق العدالة الانتقالية، من خلال محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، وإصلاح المنظومة القضائية، وسن التشريعات اللازمة، ووضع الآليات المناسبة لضمان تحقيق العدالة واستعادة الحقوق، فضلاً عن ترسيخ مبدأ التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب السوري، ونبذ أشكال العنف والتحريض والانتقام كافة، بما يعزز الاستقرار المجتمعي والسلم الأهلي، وإضافة إلى ذلك، تضمنت المخرجات تحقيق التنمية السياسية وفق أسس تضمن مشاركة فئات المجتمع كافة، وإطلاق عجلة التنمية الاقتصادية، وتطوير قطاعات الزراعة والصناعة، عبر تبني سياسات اقتصادية تحفيزية تعزز النمو، وتشجع على الاستثمار وحماية المستثمر، وتستجيب لاحتياجات الشعب، وتدعم ازدهار البلاد، وشمل البيان الدعوة إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، وإصلاح المؤسسات العامة وإعادة هيكلتها، والبدء بعملية التحول الرقمي، ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني في دعم المجتمع، وتفعيل دور الجمعيات الأهلية، وتطوير النظام التعليمي وإصلاح المناهج، وتعزيز ثقافة الحوار في المجتمع السوري.
غياب التمثيل الحقيقي
المؤتمر انعقد من دون تمثيل الكثير من الجهات والمكونات والمناطق والقوى السياسية، وأعلنت قوى عديدة رفضها للنهج الإقصائي الذي اتبعه مؤتمر الحوار، وأن المشاركين في المؤتمر حاولوا العمل وفق المستطاع للوصول إلى ما يريده السوريون، لكن بالتأكيد هناك مصلحة كبرى تضعها الحكومة نصب أعينها قد تكون غير واضحة للبعض.
لكن كان المفروض الدخول في الخصوصية الفرعية لكل بند من المخرجات، لأنه في تلك التفاصيل يمكن الحديث عن مستقبل البلاد، والانتباه الى قضية مهمة تتعلق بوجود مشكلة واضحة في إدارة ملف الإعلام في تغطية المؤتمر، فمن غير المناسب تقييد حرية الإعلام عبر السماح لبعض الوسائل الإعلامية بالحضور دون غيرها، حيث كان من المفترض فتح الباب على مصراعيه لجميع الإعلاميين من دون تمييز، وخاصة لدينا نحن السوريين، ولكن مواجهة هذه المشكلة لا تقتضي تكريس أعراضها السابقة والمزمنة، بل توجب معالجتها بطريقة أكثر دقة وحزما من خلال اعتماد معايير تتوخى العلمية والموضوعية والوضوح، بعيدا عن اختزال المسألة بالعلاقات الشخصية واستسهال أقرب الطرق على مبدأ ( اللي تعرفوا أحسن من اللي تتعرف عليه).
أن انعقاد هكذا مؤتمر يأتي استجابة لاستحقاق خارجي ربما يبدو ملحاً، استجابة لمجموع الدول والجهات الأممية التي تقرن تفاعلها الإيجابي ودعمها للسلطة السورية الجديدة، كمسألة الاعتراف بالشرعية و رفع العقوبات الاقتصادية تدريجياً، بخطوات فعلية ملموسة ربما يبدو أحد أشكالها، إشراكها لكافة أطياف الشعب بصناعة القرار والاطمئنان إلى الابتعاد عن نهج الاستبداد والاستفراد بالسلطة، وربما كان هذا الأمر أحد دوافع الاستعجال في عقد المؤتمر بهذه الصيغة، ولكن ما هو مؤكد أيضا أن القيمة الفعلية والرمزية لهكذا مؤتمر هي أكثر أهمية عند السوريين، بل كان من الممكن أن يكون حدثا نوعيا بالفعل باعتباره الخطوة التأسيسية الأولى لبناء سوريا الجديدة، فما الذي كان سيحصل لو استغرق التحضير للمؤتمر مدة ستة أشهر مثلاً مقابل إنضاج مقومات انعقاده بدلاً من سلقها؟ وخاصة أن هذا التأجيل المفترض لن يكون عائقا لصدور (إعلان دستوري) يصدر عن مجلس تشريعي مصغر، ولن يكون عائقاً أمام مشروع العدالة الانتقالية وبقية المسائل المطروحة. أليس من حق السوريين استثمار منجزهم الوطني في التأسيس لمستقبل دولتهم أكثر بكثير من التفكير بالاستجابة لأي استحقاق خارجي؟.