تقرير/ جمانة الخالد
لم تعد الحياة كما كانت في قرى ريفي حماة وحمص. إذ تحولت الأيام الهادئة التي كان يعرفها الأهالي إلى كابوس متكرر، حيث بات الخوف رفيقهم الدائم. الجرائم التي تطال القرى لم تعد مجرد حوادث عابرة، بل صارت ظاهرة تهدد الأمن والأمان، وتترك وراءها قصصاً مؤلمة ترويها العائلات بصوت مرتجف.
تجلس أم محمد في قرية صغيرة بريف حماة، على كرسيها الخشبي القديم، تمسك بيد ابنتها الصغيرة التي لم تعد تذهب إلى المدرسة منذ أن اختُطفت طفلة من جارتها قبل أشهر. تقول الأم بصوت خافت: “كل يوم أخاف أن أفتح الباب، لا أعرف من يطرقه.. هل هو جارنا أم مجرم يبحث عن ضحية جديدة؟”. القصة تكررت في قرى مجاورة، حيث تختفي النساء والأطفال، أو يُعثر على جثثهم في أماكن مهجورة، دون أن يلقى الجناة عقاباً.
أما في ريف حمص، فالقصص لا تقل مأساوية. أبو أحمد، مزارع في الخمسينيات من عمره، يروي كيف تعرض ابنه للسرقة والضرب المبرح عندما كان عائداً من السوق بسيارته المحملة بالبضائع. “أخذوا كل شيء، حتى هاتفه القديم، وتركوه ينزف على الطريق”، يقول أبو أحمد، بينما تملأ الدموع عينيه. لم يبلغ الشرطة، لأنه يعرف أن التحقيقات غالباً ما تصل إلى طريق مسدود. “من يحمينا؟” يسأل، ثم يصمت، لأن الإجابة غير موجودة.
الخوف ليس مقتصراً على السرقة أو الاختطاف، بل امتد إلى جرائم القتل التي أصبحت تحدث في وضح النهار. في إحدى القرى، عُثر على جثة شاب في العشرينيات من عمره ملقاة قرب نهر العاصي، آثار التعذيب واضحة على جسده. أهله يعتقدون أنه قُتل بسبب خلاف على قطعة أرض، لكن لا أحد يتجرأ على الحديث علناً. الجريمة صارت درساً لأي شاب يحاول المطالبة بحقه. “الموت أصبح أرخص من كلمة حق”، يقول أحد كبار السن، وهو يهز رأسه بحسرة.
النساء في هذه القرى يعانين بشكل مضاعف. فبالإضافة إلى الخوف على أبنائهن، يواجهن خطر التحرش والاعتداءات. سمر، شابة في قرية بريف حمص، تروي كيف كانت تتعرض للملاحقة من قبل مجموعة شبان كلما خرجت لشراء الحاجيات. “أبي منعني من الخروج وحدي، وقال لي: ‘حياتك أغلى من أي شيء’، ولكن إلى متى سنعيش سجناء الخوف؟” تساءلت بينما كانت تمسك بيد أخيها الصغير، الذي أصبح مرافقها الإجباري في كل خطوة.
أما كبار السن، فهم أيضاً ليسوا بمنأى عن الخطر. في إحدى القرى، دخل لصوص منزل عجوز وحيد، وضربوه وسرقوا مدخراته التي جمعها طوال عمره. الجيران سمعوا صراخه لكنهم لم يتحركوا خوفاً على أنفسهم. “لو كان له أولاد، لما تجرأوا على فعل ذلك”، قال أحد الجيران، لكن العجوز لم يكن لديه سوى ابنة متزوجة في مدينة بعيدة.
وتركت الجرائم المتكررة آثاراً نفسية عميقة على الأهالي. الأطفال لم يعودوا يلعبون في الشوارع كما كانوا يفعلون، والأسر تضع أقفالاً إضافية على أبوابها، وحتى الثقة بين الجيران بدأت تتآكل. “صرنا نشك في كل غريب، وكل سيارة لا نعرفها”، تقول أم علي، وهي تطل من نافذتها الضيقة على الشارع الخالي.
السؤال الذي يتردد في أذهان الجميع هو: من يحميهم؟ فغياب الأمن وانتشار السلاح غير المرخص جعل المجرمين أكثر جرأة. البعض يحاول اللجوء إلى العشائرية أو الوسطاء لحل النزاعات، لكن ذلك لا يمنع الجرائم الجديدة من الحدوث. “نعيش كما لو أننا في غابة، القانون غائب، والضعيف فريسة”، يقول رجل من ريف حماة، بينما يشعل سيجارته بنار مليئة بالغضب والعجز.
في النهاية، تبقى هذه القصص مجرد غيض من فيض المعاناة التي يعيشها أهالي ريفي حماة وحمص. كل يوم يمر يزيد من خوفهم، وكل جريمة جديدة تذكرهم بأن لا أحد في مأمن. الحياة التي كانت يوماً مليئة بالطمأنينة صارت سلسلة من الانتظار والقلق.