لكل السوريين

أثارة الفتن

عبد الرحمن العيسى

كثيراً ما تعمد قوى خارجية إلى إثارة الفتن بين الطوائف، وكان أحد الأمثلة ما فعله البريطانيون من إثارة للفتن في الهند والعراق، مستغلاً ضعاف النفوس والعقول.

فعندما كانت الهند مستعمرة بريطانية، كان سفيرها هو الآمر الناهي، فحصل أنه كان في سيارته ومعه القنصل، فرأيا شاﺑﺎ هنديا ﻳﺮﻛﻞ ﺑﻘﺮة، ﻓﺄﻣﺮ اﻟﺴﻔﻴﺮ ﺳﺎﺋﻘﻪ بأن ﻳﺘﻮﻗﻒ، ثم ترجل مسرعا نحو الشاب ودفعه عنها، وهو يعلم أن البقر مقدس عند الهندوس، اقترب السفير من البقرة، ومسح على جسدها، وكأنه يطلب منها الصفح والغفران، حصل هذا الموقف وسط ذهول المارة، تصرف السفير أوغر صدور المارة على الشاب الهندي، وأثار فيهم روح الطائفية الحمقاء، فقتلوه فوراً شر قتلة انتقاماً لبقرتهم المقدسة.

عاد السفير إلى سيارته، فسأله القنصل بدهشة: ما هذا الذي فعلته؟ فرد عليه السفير المحنك بخبث: ركلة الشاب المتعلم للبقرة هي تمرّد ضد عقيدة هشة، قد تؤدي إلى صحوة ضد التعصب الديني والمذهبي في هذا البلد، وتصرفي قضى على كل أمل بذلك، فلو سمحنا للهنود بركل عقائدهم لتقدمت الهند إلى الأمام، ولخسرنا نحن درة تاجنا.

أما العراق، وما أدراك ما العراق، فالوضع أكثر من مأساوي، بل هو كارثي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فالمؤامرة عليه، وعلى الوطن العربي بأكمله، لا تزال قائمة، منذ أن رسّخ المستعمر وبنجاح فكرة المذهبية المقيتة بين أفراد المجتمع الواحد، ويجب علينا هنا أن نعترف بأن بعض دول الجوار هي أول من رعى هذه المذهبية تاريخيا، أما الإنكليز فكانوا يثيرونها كلما خمدت.

أحد الأمثلة الدامغة على ذلك انكشف على يد أحد طلبة الدكتوراه، خلال بحثه في أرشيف وزارة الخارجية البريطانية في لندن، فقد عثر على مذكرة سرية تعود إلى عام 1906، المذكرة مرسلة من الممثلية البريطانية في بغداد إبان الحكم العثماني للعراق، ذكر فيها: نشبت معركة طائفية بين تجار سوق الشورجة في بغداد خلال أيام عاشوراء، وكان سبب المعركة هو إلقاء شخص مجهول سمكة الـ«جري»، في «حب» الفخار المخصص لشرب الماء لزوار يوم عاشوراء، وهي من الأسماك المحرم أكلها عند الشيعة، فاتهم على أثرها التجار الشيعة زملاءهم السنة بهذه الفعلة.

الصادم في المذكرة أن فيها اعترافاً بأن البعثة البريطانية في بغداد، هي التي كلّفت أحد خدمها الهنود بوضع سمكة الـ«جرّي» في «حب الماء» تحت جنح الظلام، بهدف إشعال الفتنة الطائفية بين التجار الشيعة والسنة، وطبعا نجحت خطتهم الخبيثة، وأدت إلى مقتل وجرح عشرات العراقيين بمختلف طوائفهم وقومياتهم، فالفتنة فن أجاده الإنكليز بجدارة.

المؤامرة نجحت لأن العقول المتحجرة كانت مهيأة لها، الآن، مر على حادثة الشورجة أكثر من مئة عام، فهل اعتبر العراقيون منها، طبعا الجواب هو ألف لا، فواضح أن العقول أصبحت أسوأ، ففي ذلك الزمان كان هناك حكماء وعقلاء استطاعوا إخماد الفتنة

اليوم وللآسف الشديد نلاحظ أن سعير نار الفتنة قد وصل رياق بيتنا الداخلي وربما شاهد وسمع الكثير عن نشوب خلاف عشائري تقف خلفه إيدي خفية

هدفها زعزعة أمن المنطقة وخلق مناخ توتر قابل للانفجار في لحظة بعد ما نعمت المنطقة بالأمن والأمان.

فلننتبه ونتحدق لمايدور حولنا

ونحتاط ونحذر لسعير هذه النار الخبيثة

واليكن التسامح والعفو والصلح سيد الأحكام ولنعيد ترتيب أوراقنا ونتحد على ما بدأنا به من إعمار ما تدمر من بلدنا على كافة الأصعدة لنتعض وننتبه ونأخذ جميع التدابير لمن يحاولون اشعال نار الفتنة في مناطقنا.