لكل السوريين

الشهر الكريم في حمص.. وماضٍ لم يبقَ منه إلاّ الذكرى!

حمص_ لرمضان شهر التواصل والتراحم والكرم في الصدقات والعبادات، تقاليدٌ كثيرة تعوَّد عليها الحماصنة منذ مئات السنين، فكانوا يزيدون العبادة فيه ويتصدقون ويقيمون الولائم للفقراء، يتراحمون ويتزاورون فيه، وفيه يأكلون أطايب الأكلات ويعملون الموالد وينشدون فيها ويُطعِمون .. يُفطرون على ضرب الطُّوب ( المدفع )، ويتذكرون أمجاد الأجداد التاريخية في رمضان .

وبكثير من الحنين يتحدث الناس عن طقوسه القديمة مثل ترقب هلال رمضان، المسحراتي، والحكواتي، قنديل رمضان، المدفع، ارتياد المقاهي الشعبية بعد الإفطار، افتتاح الأسواق حتى ساعات متأخرة من الليل.. الاجتماعات الأسرية..

ففي أوقات المغرب كانت تضاء القناديل فور حلول وقت الإفطار ولكن لعدم وضوح رؤية القنديل آنذاك كانت ترفع راية حمراء في الجامع الكبير بحمص ـ على سبيل المثال ـ ثم لما عمت عادة ضرب المدافع ـ في العهد العثماني ـ بدأ إطلاق مدفع واحد وقت الإفطار واثنين وقت السحور، الأول للاستيقاظ والثاني للإمساك عن الطعام، وقد استمر إطلاق المدافع الحقيقية حتى بداية الستينيات من القرن الماضي… وكان إطلاقها يمثل متعة حقيقية وكبيرة للأطفال الذين يتجمعون حول المدفع بهدف الفرجة على كيفية تلقيمه بكيس البارود ثم حشوه بالخرق، ومن ثم إشعاله عند رؤية الراية الحمراء….

ومن أشهر المأكولات الشعبية الرمضانية في حمص، هي العوّامة وتسمى بحمص الفواشات أو المشبك حيث يغلى الزيت في قدر كبير ثم تقذف إليه قطع العجين حتى تتحول إلى لون ذهبي لتقذف من جديد إلى حلة كبيرة مملوءة بالقطر.

إضافة للأكلات الرمضانية الدائمة: مثل الفول، الحمص، المكدوس، الفتات، المحاشي، الكبب، التمر، قمر الدين، الحساء، السمبوسك باللحم أو بالجبن وفي الصيف أشربة ومأكولات خفيفة كالعرقسوس، منقوع قمر الدين، التمر الهندي، التوت الشامي، السلطة، الفتوش، التبولة، بابا غنوج وللحلويات أنواع كثيرة لاتزال منتشرة حتى الآن كالناعم، الوربات، الكنافة، المشبك، المعمول، القطايف، البقلاوة، البرازق، وتشتهر بها دمشق، حلاوة المحيا (حماه)، وغزل البنات والكرابيج (حلب).

وبسطات الأسواق كبسطات الخبز المعروك ومطاعم أو بائعي الطعام المطبوخ و خاصة قدور المحشي وتلال الجبس والبطيخ الأصفر فكلها لا تزال موجودة حتى وقتنا الراهن…

أما عن الأيام العشرة الأخيرة من رمضان، وفيها يبدأ المؤذنون بتوديعه بأناشيد دينية وقصائد تذكر بأفضاله.. ثم تبدأ الاستعدادات للعيد بفتح الأسواق حيث يصبح الليل نهاراً، إلى حين ثبوت العيد.

وفي ليلة الوقفة كانت توضع الحنة على أيادي الأطفال وخاصة في الأرياف، ولشرائح أخرى من الناس لياليهم مثل ليلة سهر الخياطين حيث يمتد سهرهم لإنجاز ملابس الزبائن وللأطفال أيضاً ليلتهم حيث ينشدون ويرددون أنشودات مشهورة خاصة بالعيد ولا ينامون إلا و ملابسهم الجديدة بجانب فراشهم، في حين تنشغل الأمهات بترتيب وتنظيف المنازل.

ختاماً، صحيح أنّ أسواق حمص لم تعد مزدحمة حتّى الفجر كما في السابق ، بسبب الأسعار الملتهبة وضيق الحال، لكن يبقى الأمل معلقًا برغبة الناس بأنْ يشكّل الشهر الكريم فرصة لاستعادة أنفسهم وتقويمها وتذّكر الماضي الجميل والأمل بأن يستعيدوا ذكرياتهم لواقع معاش في رمضانهم القادم.

نور الحسين