تقرير/ سلاف العلي
تشهد مدن الساحل السوري، وخصوصاً طرطوس واللاذقية، أزمة سكنية خانقة نتيجة الارتفاع غير المسبوق في بدلات الإيجار، في وقت يشهد فيه القطاع العقاري حالة جمود تام منذ سقوط النظام السابق، الذي أدى إلى تعليق معاملات البيع والشراء في دوائر السجل العقاري، وتجميد سوق العقارات وتحويله إلى عبء اقتصادي على المواطنين، لا سيما أصحاب الدخل المحدود.
وبحسب أصحاب مكاتب عقارية، ارتفعت بدلات الإيجارات بنسبة تتراوح بين 25 و35% منذ سقوط النظام، فيما أشار سمير النابلسي، صاحب مكتب عقاري في منطقة المشبكة بطرطوس، إلى أن السوق يعيش حالة من التخبط الشديد رغم تراجع أسعار العقارات في بعض المناطق بنسبة وصلت إلى 50%. وأضاف أن العقارات باتت تعتبر “أصولاً مجمدة” لا تشهد أي حركة بيع حقيقية، وهو ما تسبب في ارتفاع حاد في أسعار الإيجارات.
وتتراوح الإيجارات السنوية في أحياء مثل البرانية والعريض والحمرا بطرطوس بين 20 و25 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل نحو 2000 إلى 2500 دولار، وهي أرقام لا تتناسب مع دخول الغالبية العظمى من السكان. أما في اللاذقية، وتحديداً في مناطق مثل الرمل الجنوبي، طريق الكورنيش، الأميركان، الشارع الجديد، سكن الأطباء، وشارع الزراعة، فقد وصلت الإيجارات السنوية إلى ما بين 100 و200 مليون ليرة، بحسب الموقع والمساحة.
وأكد النابلسي أن أسعار البيع ارتفعت بنسبة 10 إلى 15%، في حين ارتفعت الإيجارات بنسبة 20% رغم التراجع العام في القدرة الشرائية للسكان. ويُلاحظ أن سكان الساحل تقليدياً كانوا ينفرون من السكن بالإيجار، غير أن جمود حركة البيع دفع العديد من المواطنين والمستثمرين لعرض عقاراتهم للإيجار، ما شكّل ضغطاً إضافياً على السوق.
من جانبه، قال عمر عثمان، وهو مالك عقارات في طرطوس، إن أسعار الشقق انخفضت من 500 مليون ليرة إلى ما بين 250 و350 مليون ليرة، فيما تراجعت أسعار الغرف السكنية المستقلة من 75 مليون إلى 30 أو 40 مليون ليرة. إلا أن هذا التراجع لم يُترجم إلى انخفاض في الإيجارات، بل زاد من الإقبال على الاستئجار، مما رفع الأسعار إلى مستويات قياسية.
وأشار عثمان إلى أن الإيجارات في بعض أحياء وسط المدن باتت تتجاوز 7 ملايين ليرة شهرياً، مع اشتراط دفع مبالغ تصل إلى نحو 10 آلاف دولار مقدماً، في حين تراوحت الإيجارات في الأحياء الشعبية بين 2 و5 ملايين ليرة. هذا الواقع دفع العديد من الأسر للنزوح إلى ضواحي طرطوس واللاذقية، بحثاً عن بدائل أقل تكلفة، إلا أن تلك المناطق تعاني من نقص حاد في الخدمات وارتفاع تكاليف النقل، ما يجعل الانتقال إليها عبئاً اقتصادياً إضافياً.
وتشير التقديرات إلى أن الإيجارات ارتفعت في بعض المناطق الشعبية بنسبة 50%، فيما وصلت الزيادة إلى 100% في الأحياء الحديثة. وتضم مدن الساحل العديد من المناطق العشوائية التي يقطنها أكثر من نصف السكان، وتفتقر هذه المناطق إلى التنظيم والخدمات الأساسية، وسط مطالب بتسليمها لشركات تطوير عقاري لبناء مشاريع سكنية بمعايير حديثة.
ويرى خبراء أن اختلال السوق العقاري يعود إلى عدة عوامل، أبرزها تراجع السيولة، غياب الرقابة الحكومية، دولرة الأسعار، وعودة آلاف المغتربين الذين شكّلوا ضغطاً إضافياً على سوق الإيجارات. كما أدى غياب التنظيم إلى انتشار ظاهرة تسجيل عقود إيجار بأسعار وهمية، وفرض أسعار حقيقية شفهية، ما يعرّض المستأجرين للاستغلال والابتزاز.
ويؤكد مختصون في الشأن العقاري أن استقرار السوق مرهون بإعادة تفعيل دوائر السجل العقاري، وتسهيل القروض السكنية، وإنشاء مشاريع إسكان جديدة في الضواحي، إلى جانب فرض رقابة حكومية صارمة لضبط الأسعار ومنع التلاعب، وضمان الحق في السكن الكريم للمواطنين في الساحل السوري.