حماة/ جمانة الخالد
في مدينة حماة التي عُرفت بجمال نواعيرها وهدوء نهر العاصي، تحول صوت الرصاص العشوائي إلى كابوس يومي يهدد حياة الأهالي. أصبح الخروج من المنزل مغامرة محفوفة بالمخاطر، والجلوس في الشرفة قد يكلف الأرواح. ففي الأحياء الشعبية والمناطق المحيطة بالمدينة، تتحول الأفراح والمناسبات إلى مآسٍ بسبب العيارات النارية التي تطلق عشوائياً دون أي اعتبار لسلامة المدنيين.
تقول أم محمد، وهي سيدة في الخمسين من عمرها تعيش في حي المشرفة: “ابني البالغ من العمر 12 عاماً كان يلعب أمام المنزل عندما أصيب بشظية رصاص طائش أثناء حفل زفاف في الحي المجاور. لم يعد بإمكاننا ترك الأطفال يلعبون خارج المنزل.” هذه القصة ليست الوحيدة، ففي الأشهر الأخيرة سجلت مشافي حماة عشرات الإصابات بسبب الرصاص العشوائي، بعضها أدى إلى وفيات.
وتتفاقم المشكلة تتفاقم في المناطق الريفية المحيطة بحماة، حيث تنتشر ظاهرة إطلاق النار في الأعراس والمناسبات بشكل واسع. أبو أحمد، مزارع من قرية الكرمة، يروي كيف فقد ابنه الوحيد: “كان عمره 19 عاماً، ذهب لحضور حفل زفاف قريب له، وأثناء الرقص أصيب برصاصة طائشة في الرأس. مات قبل أن يصل إلى المستشفى.” هذه المأساة تكررت في قرى عديدة مثل سليمة والحمراء واللطامنة، حيث تحولت الأفراح إلى مآتم بسبب التهور والجهل.
وفي المستشفى الوطني بحماة، يؤكد طبيب الطوارئ (رفض ذكر اسمه الكامل) أن قسم الطوارئ يستقبل شهرياً ما بين 5 إلى 10 إصابات ناجمة عن الرصاص العشوائي. “بعض الإصابات بسيطة، لكن الكثير منها خطير ويصل إلى الدماغ أو القلب. لدينا حالات شلل دائم بسبب رصاصة طائشة.” ويضيف أن معظم الضحايا من الأطفال والنساء الذين لا علاقة لهم بأي احتفالات.
ولا يقتصر الخطر على الإصابات المباشرة، فالسكان يعيشون في رعب دائم من الرصاص الطائش الذي قد يخترق نوافذ المنازل في أي لحظة. تقول سيدة من حي الحاضر: “في الليلة الماضية سمعنا صوت رصاص قوي، واكتشفنا أن رصاصة اخترقت جدار غرفة نوم ابنتي. لو كانت جالسة في مكانها لكانت قتلت.”
وأصبحت ظاهرة الرصاص العشوائي جزءاً من الحياة اليومية في حماة، حيث يطلق البعض الرصاص لأتفه الأسباب، مثل الاحتفال بنجاح طالب، أو شراء سيارة جديدة، أو حتى لمجرد التعبير عن الفرح. وفي بعض الأحياء، تحولت هذه الممارسة إلى نوع من التنافر بين العائلات، حيث يسعى كل طرف لإثبات وجوده عبر إطلاق كميات أكبر من الرصاص.
وتفاقمت المشكلة بسبب انتشار الأسلحة غير المرخصة وتراجع الرقابة الأمنية. فبعد سنوات من الحرب، أصبحت الأسلحة متوفرة بكميات كبيرة وبأسعار زهيدة. يقول ضابط أمني سابق (رفض الكشف عن هويته): “يمكنك شراء بندقية كلاشنكوف بأقل من 500 دولار، والذخيرة متوفرة بكثرة في السوق السوداء.”
ويحاول المجتمع المدني في حماة مواجهة هذه الظاهرة عبر حملات التوعية. جمعية “حماة آمنة” نظمت مؤخراً سلسلة محاضرات في المدارس والمساجد تحذر من مخاطر الرصاص العشوائي. كما أطلقت صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر قصص الضحايا وتحذر من عواقب هذه الممارسات. لكن هذه الجهود تبقى محدودة في مواجهة ثقافة متجذرة في بعض شرائح المجتمع.
في المقابل، يطالب أهالي الضحايا بتشديد العقوبات على من يطلق الرصاص عشوائياً. تقول أم ياسر التي فقدت ابنها قبل عام: “القانون يجب أن يكون رادعاً. من يقتل الناس بهذه الطريقة يجب أن يحاسب كما يحاسب أي قاتل.” بعض العائلات بدأت ترفض إقامة الأعراس التي تشهد إطلاق نار، وتحولت إلى احتفالات هادئة خوفاً على أبنائها.
ويكمن الخطر الأكبر في أن هذه الظاهرة أصبحت مقبولة اجتماعياً في بعض الأوساط، حيث يرى البعض أن إطلاق الرصاص تعبير عن الفرح والبهجة. لكن الواقع يقول إن كل رصاصة طائشة قد تحصد روح طفل بريء، أو تدمر أسرة كاملة. فهل تحتاج حماة إلى مزيد من الضحايا كي تفيق من هذا الكابوس؟