لكل السوريين

زراعة “العصفر” تشهد رواجا في أرياف حلب

حلب/ خالد الحسين

شهدت الزراعات العطرية خلال السنوات الماضية تطورا ملحوظا ومن أهمها زراعة الكمون وحبة البركة واليانسون، وكان أهمها العصفر في الموسم الحالي، إذ اتخذ له مكاناً في الدورة الزراعية.

وتعدّ الجدوى الاقتصادية الفيصل في خيار المزارعين لاختيار مواسمهم، وهو ما تسبب في سنوات سابقة بزيادة زراعة محاصيل على حساب أخرى مثل الكمون واليانسون والحبة السوداء، وتراجع لزراعة محاصيل استراتيجية مثل القمح والشعير.

العصفر نبات بدون مخلّفات

خلافاً لغيره من المواسم الزراعية، يستفاد من أجزاء نبات العصفر بشكل كامل، البتلات والبذور والأوراق، وهو ما دفع مزارعون كثر في المنطقة لزراعته، غير المألوفة في أرياف حلب.

يقول محمد النايف، مزارع في ريف حلب، إنه وبعد جني الوبر (البتلات)، يتم قطاف الجوز وهو الجزء الذي يضم البذور، ثم تؤجر الأراضي لأصحاب المواشي للرعي، إذ يعتبر ورق العصفر علفاً “جيداً” للأغنام والأبقار، كما تستخدم أعواده كحطب للمواقد بعد يباسها.

ومن حيث الأهمية، تأتي البتلات في المقام الأول، إذ تستخدم كملونات طبيعية وبهارات للأطعمة، كما تستعمل كمواد صباغية للألبسة، تليها البذور التي تستخدم في التغذية الحيوانية، خاصة للطيور الداجنة، لما تحويه من البروتين الخام والكربوهيدرات، ويستخدم عصير البذور (الزيت الناتج عنها) للاستهلاك البشري، كذلك في مواد الدهان.

ويضيف النايف أن مساحات واسعة زرعت بالعصفر في العام الحالي، خاصة مع فتح طرق لتصديره وبيعه بالدولار، إلى تركيا والعراق، تجنباً لتغيرات الأسعار، إذ اقتصرت زراعته في السابق على مساحات محددة للمؤن والسوق الداخلي. ويصدّر العصفر لاستخدامه كبهارات للأطعمة وسواغات في معامل الأدوية.

وصل سعر طن بتلات العصفر، بحسب حسان المزيد، مزارع من بلدة أبو جرين، في العام الماضي إلى 13 ألف دولار، بينما وصل سعر طن البذار إلى 400 دولار، وتراوحت أسعار إيجار الدونم من الأرض لأصحاب الماشية بين 50 إلى 100 دولار.

والعصفر نبات شوكي من المحاصيل العطرية ويمكن زراعته في مختلف الأراضي الخصبة ومتوسطة الخصوبة، يتحمل درجات الحرارة المنخفضة وينمو بشكل جيد في المناطق ذات الجو المعتدل والمائل للبرودة، ويمكن زراعته بعلاً ولا يحتاج في حالة الري لكميات كبيرة من المياه.

ويزرع في سوريا في عروتين، شتوية تبدأ في منتصف شهر تشرين الثاني وحتى نهاية كانون الأول، وصيفية مبكرة تبدأ في منتصف شباط وحتى نهاية شهر نيسان.

المهندس الزراعي سامر العشير قال إن زراعة العصفر ناشئة في ريف حلب، إذ تحتاج لتربة باردة تحتفظ بالمياه.

وتحتاج زراعة العصفر إلى اختيار بذار جيد خال من الإصابات المرضية والحشرية والكسر وإعداد الأرض من خلال “حراثتها حراثتين عميقتين، وإضافة السماد الفوسفاتي نحو 25 كيلوغراماً للدونم، وبذورها بمعدل 20 نبتة في المتر المربع” كما يحتاج العصفر بعد نباته نحو 15سم إلى التفريد، وعزقة واحدة (القضاء على الأعشاب الضارة)، والتسميد مرة أخرى بالسماد الفوسفاتي (12 كيلو غراماً للدونم) والبوتاسي (6 كيلوغرامات للدونم)، يضاف إليها 4 كيلو غرامات للدونم الواحد من السماد الآزوتي في بداية التفرع.

ويتراوح إيجار دونم الأرض بين 50 إلى 150 دولاراً بحسب من التقيناهم من مستأجرين في العام الحالي، يحدّد ذلك نوع التربة وتوفر المياه، إضافة لقربها من خط التماس.

أما القطاف فيكون يدوياً، ويتقاضى عامل مياومة العصفر دولاراً واحداً عن كل كيلو غرام يقطفه من العصفر الأخضر، ويتراوح إنتاج العامل ذي الخبرة نحو 2 كيلو غرام خلال خمس ساعات من العمل.

ينتج الدونم الواحد نحو 75 كيلو غراماً من بتلات العصفر الأخضر وسطياً، وتعطي كل ثلاثة كيلو غرامات منه كيلو غراماً من بتلات العصفر اليابس الذي يباع بنحو 13 دولاراً.

الأرقام السابقة تظهر جدوى زراعة العصفر، إذ يحصل المزارع المستأجر على ضعف التكلفة على الأقل، خاصة بإضافة أسعار البذار المباع للحيوانات وتأجير الأرض لأصحاب الماشية، أيضاً استغلال الأرض في زراعات صيفية أخرى، كذلك يحصل صاحب الأرض على إيجار يصفه من تحدثنا معهم بـ “الجيد”، مقارنة بمواسم زراعتهم لأرضهم في السابق من مواسم أخرى، ويؤمن فرصة عمل لأشخاص كثر في المنطقة إذ يحتاج الدونم الواحد لنحو عشرين عاملاً.

بقاء طرق التصدير مفتوحة أهم ما يشغل مزارعو العصفر لضمان ربحهم بعد التكلفة العالية التي دفعوها، وكغيره من المحاصيل العطرية المرهقة للتربة يقضم مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية التي نقصت فيها الزراعات الأخرى مثل القمح والبقوليات والخضراوات، وذلك بسبب ما تتركه من خسارة ومشكلات تكررت في كل عام، دون دعم من قبل الجهات الحكومية أو المنظمات الزراعية العالمية، تاركة المزارعين للبحث عما يعيلهم حتى وإن كان على حساب أرض ستفقد عناصرها الغذائية وتتحول إلى تربة غير خصبة بمرور الوقت.