لكل السوريين

يحتاج لإنعاش.. القطاع الصناعي في سوريا يحتضر

تواجه الصناعة في سوريا خلال المرحلة الراهنة صعوبات وتحديات كبيرة بعضها يتعلق بتدمير البنية التحتية والعقوبات الاقتصادية والانكماش العام في الاقتصاد، فيما يُرجع البعض الآخر إلى غزو المنتجات المستوردة وبخاصة التركية منها الأسواق السورية.

ومع تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، تزايدت الآمال بشأن إعادة بناء القطاع الحيوي وإحيائه من جديد، خاصة وأن سوريا لديها مقومات صناعية متنوعة، تجعلها دولة ذات قاعدة صناعية قوية، لكن حتى الآن لم يتم استغلال هذه المقومات.

ويستمر القطاع الصناعي في حالة الانهيار على الرغم من التغييرات التي شهدتها البلاد، وحتى الآن لم تظهر رؤية واضحة أو بوادر لمحاولات إحياء الصناعة لتعزيز دورها في الاقتصاد الوطني، والتأسيس لبيئة صناعية جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين.

ولازالت البلاد تشهد أزمة كهرباء خانقة، ما أدى إلى تراجع الإنتاج بعد تدمير أكثر من 30 محطة طاقة في البلاد وتعرّض ما لا يقل عن 40 بالمئة من خطوط الجهد العالي في البلاد للتلف.

يضاف ذلك إلى نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات (الفيول) الذي يشغّل المحطات الحرارية، والعقوبات الدولية، ولا سيما على قطاع الطاقة والقطاع المالي، مما زاد حدّة الأزمة.

إضافة إلى ذلك فإن التقلبات الحادة في سعر صرف الليرة أمام الدولار تعد أحد أبرز التحديات التي تواجه الصناعيين في سوريا، فالتذبذب الكبير في سعر الصرف يعرقل التخطيط المالي ويزيد صعوبة اتخاذ قرارات الإنتاج، مما يخلق حالة من عدم اليقين المالي.

تؤثر تقلبات سعر الصرف على هيكل الأجور والرواتب مباشرة، فيصعب على أصحاب المصانع تحديد مستويات دخل ثابتة للعاملين، مما أدى إلى اضطرابات في حساباتهم، ودفع العديد منهم إلى فصل عمال بشكل كامل أو مؤقت إلى حين استقرار سعر الصرف.

كما أن تقييد عمليات السحب النقدي أمام أصحاب المصانع ضمن السياسة النقدية الحالية أضعف قدرتهم على توفير السيولة اللازمة لتشغيل مصانعهم ودفع رواتب العمال.

ويصف صناعيون القطاع الصناعي بأنه “مريض تحت الإنعاش” الذي يتم نزع الأكسجين عنه، وغياب أي محاولة لإنقاذه قبل الاختناق.

وعانى القطاع الصناعي عانى من مشاكل، سواء في تأمين المواد الأولية أو مشاكل حوامل الطاقة أو معوقات التصدير، وهو ما ساهم في “تطفيش” عدد كبير من الصناعيين، ومن صمد منهم من أصحاب الصناعات الخفيفة والمتوسطة الاستهلاكية، يأتي اليوم فلتان السوق ودخول بضائع رخيصة ليشكل عبئاً إضافياً على هذه الصناعات.

لذا يجب تشكيل لجنة بأسرع وقت ممكن تضم صناعيين ومن الوزارات المعنية والمدن الصناعية، لإعادة هيكلة كل القرارات والتشريعات التي كانت سبباً في تراجع الصناعة السورية، ووضع مسار جديد لدعمها وحمايتها، خاصة من المنافسة غير الشريفة.

ويمر القطاع الصناعي السوري بمرحلة شديدة الصعوبة، إذ يعمل في بيئة اقتصادية مضطربة وأمنية غير مستقرة، ويعاني من انخفاض الإنتاج وضعف الاستثمارات وارتفاع تكاليف التشغيل وغياب الحماية الفعلية للمنتجات المحلية.

ويعد الأمن والاستقرار شرطاً أساسياً لاستمرار أي نشاط صناعي أو جذب أي استثمار جديد، إذ لا صناعة ولا إنتاج بدون بيئة آمنة تحفظ رأس المال والعمالة والممتلكات.

وتتمثل أبرز التحديات والصعوبات التي تواجه الصناعة بضعف الاستقرار الأمني في بعض المناطق الصناعية وانقطاع الكهرباء وارتفاع تكاليف الطاقة وصعوبة الحصول على المواد الأولية محليًا والمستوردة وانخفاض القدرة الشرائية للسكان وتراجع الطلب المحلي.

إلى جانب هجرة الكفاءات الفنية واليد العاملة المدربة إلى خارج البلاد وغياب التمويل البنكي والقروض التشغيلية الميسّرة والتشريعات الضريبية والجمركية غير العادلة مقارنة بالوضع الاقتصادي الراهن وغياب الحماية الفعلية للمنتجات الوطنية أمام تدفق المستوردات.

لذلك يجب تعزيز الأمن والاستقرار في المناطق الصناعية لضمان بيئة آمنة للمستثمرين والعمال والمنشآت. وضبط الاستيراد وتقييده لصالح حماية الصناعة الوطنية من المنافسة غير العادلة. ومنح قروض تشغيلية ميسّرة للصناعيين لدعم استمرار الإنتاج.

بالإضافة إلى دعم الصناعات الأساسية التي تلبي الاحتياجات المحلية وتملك فرص تصديرية (الغذائية، الدوائية، النسيجية، الكيميائية). وتأمين الطاقة عبر حلول مستدامة أو دعم الطاقة البديلة للمصانع. وتعديل القوانين الضريبية لتصبح أكثر عدالة ومرونة بما يتناسب مع حجم العمل الفعلي. وتشجيع التصدير من خلال تقديم إعفاءات وحوافز ودعم لوجستي.

وتعرّض القطاع الصناعي في سوريا لهزات عنيفة، وهناك فرص متبقية أمامه للبقاء على قيد الحياة، بمحاولة معالجته بشكل تدريجي، ولكن يجب الحذر من إبقاء الوضع على ما هو عليه، لأن ذلك سيكون بمثابة ترك المريض دون معالجة ليلقى حتفه مع الوقت.