منذ سقوط نظام بشار الأسد، بدأت أعمال التصفية تنشط في سوريا، بدافع الانتقام عن الانتهاكات التي اُرتكبت خلال 14 سنة من الثورة السورية، إذ تشكل هذه الأعمال تحديا كبيرا للاستقرار في المجتمع ومؤشرا على شعور السوريين بعدم تطبيق العدالة والمظلومية، بعد سنوات طويلة من الانتظار ووقوع مئات آلاف الضحايا وملايين النازحين واللاجئين.
ويشكل غياب العدالة الانتقالية السبب الأبرز للإقدام على أعمال التصفية والانتقام، التي ارتفعت حدتها خلال شهر نيسان/أبريل الجاري وآذار/مارس الماضي، خاصة في محافظة حمص، وسط البلاد، التي شهدت عمليات انتقام على أساس طائفي.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ مطلع نيسان/أبريل مقتل 49 شخصا، بينهم 42 رجلا و6 سيدات وطفل، في محافظة حمص، نتيجة استمرار العمليات الانتقامية على أساس طائفي، نتيجة استمرار العمليات الانتقامية بحق أبناء الطائفة العلوية.
وأضاف “المرصد” في تقريره، أن الهوية الطائفية تحولت أداة للصراع والتحريض في ظل غياب العدالة الانتقالية، مما يسهم في خلق بيئة خصبة للعداوات المستمرة، ويعرقل جهود بناء سلام مستدام قائم على العدل والمواطنة المتساوية.
يأتي ذلك بينما تستمر القوى الأمنية، بتنفيذ عمليات أمنية، لاعتقال مطلوبين وعناصر من قوات النظام المخلوع، ففي 20 نيسان/أبريل الجاري، شنت مجموعة تابعة لإدارة العمليات العسكرية، حملة دهم واعتقال في قرية المختارية بريف حمص الشمالي، ذات الغالبية الشيعية.
وأسفرت الحملة عن اعتقال 18 شخصاً، بينهم ضابط عسكري سابق من مرتبات قوات النظام، وسط اتهامات طالت الموقوفين بالمشاركة في عمليات قتل جماعي بحق مدنيين إبان سنوات الثورة السورية.
ولم تقتصر العمليات الانتقامية على محافظة حمص، بل شملت جميع المحافظات والمدن السورية، حيث وثّق “المرصد السوري” مقتل 561 شخصا منذ مطلع العام الحالي 2025، بينهم 540 رجلا و14 سيدة و7 أطفال.
في ظل تنامي ظاهرة عمليات الانتقام والتصفية، تبرز أهمية تطبيق العدالة الانتقالية، والتي تهدف إلى الاعتراف بضحايا تجاوزات الماضي على أنّهم أصحاب حقوق، وتعزيز الثقة بين الأفراد في المجتمع الواحد، وثقة الأفراد في مؤسسات الدولة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون. وبالتالي تسعى العدالة الانتقالية إلى المساهمة في المصالحة ومنع الانتهاكات الجديدة.
وتساهم عمليات العدالة والمساءلة في كسر دوّامة العنف والجرائم الوحشية، واستعادة سيادة القانون والثقة في المؤسسات، وبناء مجتمعات قوية وقادرة على وأد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان قبل وقوعها.