لكل السوريين

التسويق الإلكتروني… مهنة جديدة تفتح آفاقاً واسعة للنساء في حلب

في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة التي شهدتها مدينة حلب خلال السنوات الأخيرة، برز التسويق الإلكتروني كواحد من أكثر المهن جذباً للنساء، ليشكل نقطة تحوّل في نمط العمل التقليدي، خاصة في مجتمع عرف بتجارته العريقة وحضور النساء الفاعل في ميادين العمل والإنتاج.

هذه المهنة الحديثة، التي لا تتطلب رأس مال كبيراً أو شهادات أكاديمية عالية، أصبحت متنفساً للعديد من النساء الحلبيات اللواتي يسعين لتحقيق دخل مادي من المنزل، مع الحفاظ على أدوارهن الأسرية. وبفضل تطور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الإنترنت، بات التسويق الإلكتروني خيارًا عمليًا وواقعيًا أمام المرأة السورية في ظل الظروف المعيشية الصعبة.

التقت صحيفتنا “السوري” بثلاث سيدات من حلب يخضن غمار هذه المهنة، ليشاركن تجاربهن الشخصية، والتحديات التي واجهنها، والفرص التي وفرها لهن هذا المجال الناشئ.

رُبى الأحمد (32 عاماً)، أم لطفلين، بدأت العمل في تسويق مستحضرات التجميل عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل نحو عامين. تقول:

“كنت أظن أن هذا المجال معقد ويحتاج لمعرفة تقنية كبيرة، لكنني اكتشفت من خلال الدورات التدريبية المجانية على الإنترنت أن الأمر أسهل مما توقعت. كل ما يحتاجه هو مهارات تواصل جيدة، والقدرة على الإقناع، والأهم أن تكوني صادقة مع الزبائن. لدي الآن شبكة واسعة من العملاء وأحقق دخلًا شهريًا جيدًا، يكفيني ويؤمن احتياجات أطفالي.”

وتتابع رُبى حديثها مشيرة إلى أن أكثر ما شجعها هو إمكانية العمل من المنزل، مما يتيح لها الاعتناء بأطفالها دون التضحية بطموحها المهني.

أما نسرين (28 عاماً)، فتسوّق لمنتجات غذائية منزلية الصنع مثل المربيات والمخللات والمعجنات، وتقول:

“دخلت هذا المجال عندما لاحظت الإقبال على المنتجات المنزلية. بدأت بصور بسيطة على فيسبوك وواتساب، ومنشورات تلقائية، ثم تطور الأمر شيئًا فشيئًا، وأصبح لدي الآن صفحة خاصة ومتابعون دائمون. الزبائن يثقون بالجودة لأن كل شيء يُحضّر بعناية في المنزل. هذه المهنة وفرت لي دخلًا شهريًا جيدًا، دون أن أتكلف أي مصاريف إنتاجية كبيرة.”

وترى نسرين أن التسويق الإلكتروني لا يحتاج إلى مكتب أو متجر، بل يكفي وجود هاتف ذكي، واتصال بالإنترنت، وشيء من الإبداع في العرض.

أما أميمة (35 عاماً)، وهي خريجة جامعية لم تجد فرصة عمل في اختصاصها، فوجدت في التسويق الإلكتروني حلاً بديلاً ومصدر دخل كريم. تقول:

“بعد محاولات طويلة للحصول على عمل تقليدي دون جدوى، نصحتني إحدى الصديقات بدخول مجال التسويق عبر الإنستغرام. بدأت بالترويج لأدوات منزلية بسيطة، واستطعت من خلال ذلك تحقيق مبيعات لم أتوقعها. أكثر ما أحببته في هذا العمل هو المرونة. لا يوجد دوام ثابت أو التزام زمني صارم، بل أستطيع تنظيم وقتي كما أريد.”

وتشير أميمة إلى أن التسويق الإلكتروني ساعد في تغيير نظرة المجتمع للمرأة العاملة من المنزل، حيث بات يُنظر إليها اليوم على أنها سيدة منتجة، تساهم في تحسين الوضع المعيشي لأسرتها.

تمكين اقتصادي وتغير اجتماعي

تجمع السيدات الثلاث على أن العمل في التسويق الإلكتروني فتح أمامهن أبواباً لم تكن متاحة سابقاً، وأتاح لهن الاستقلال المالي دون الاضطرار لمغادرة المنزل أو الخضوع لضغوط العمل التقليدي.

ومع تزايد عدد النساء اللواتي يخضن هذا المجال في حلب، يمكن القول إن التسويق الإلكتروني تحول إلى وسيلة فعالة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي، خاصة في ظل ارتفاع نسب البطالة وتراجع فرص العمل النظامي.

ويبدو أن هذا القطاع مرشّح لمزيد من النمو خلال السنوات المقبلة، مع ازدياد الاعتماد على التجارة الإلكترونية في سوريا، وخصوصًا بين الأجيال الشابة التي باتت أكثر تفاعلاً مع أدوات العالم الرقمي.

وفي أشاده لما تقوم بها النساء الريفيات فما كان يومًا ما حكرًا على الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال، أصبح اليوم فرصة ذهبية للكثير من النساء الحلبيات اللواتي يبحثن عن حلول عملية في زمن الأزمات، وبفضل هذه المهنة، استطعن كسر الحواجز، وتحقيق توازن بين العمل والحياة، والمساهمة في اقتصاد الأسرة والمجتمع.