منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، برزت إفريقيا كمنطقة محورية في السياسة الخارجية الأوكرانية، فبعد ثلاثة أشهر فقط من بدء الحرب، قام وزير الخارجية الأوكراني بأول زيارة للقارة السمراء منذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من ثلاثة عقود.
وشملت جولة الوزير الأوكراني الأولى كينيا والسنغال اللتين تربطهما علاقات دبلوماسية مع أوكرانيا، بالإضافة إلى ساحل العاج وغانا، حيث تمت إقامة علاقات دبلوماسية حديثة معهما.
وبعد شهرين من هذه الزيارة، عيّنت كييف ممثلًا خاصاً لإفريقيا والشرق الأوسط.
وقام الوزير ديمتري كوليبا، بعدة زيارات إلى القارة شملت اثنتي عشرة دولة، كان آخرها في شهر تموز الماضي، حيث زار مالاوي وزامبيا، وهما دولتان وقعتا على مبادئ السلام الداعمة لأوكرانيا في حزيران الماضي، بالإضافة إلى موريشيوس.
ولفت هذا الاهتمام الأوكراني المتسارع والمتسرّع بالقارة الإفريقية نظر المتابعين للوضع في أوكرانيا والمحللين السياسيين، وطرحت تساؤلات عديدة حول أهدافه وآلياته ومدى فاعليته، وكان التساؤل الأبرز، هل ينبع اهتمام كييف من رؤية القيادة الأوكرانية لأهمية القارة الإفريقية، أم أنه مجرد تدخل بالوكالة عن الغرب لمزاحمة النفوذ الروسي المتنامي في القارّة.
أهداف كييف في إفريقيا
تسعى أوكرانيا من خلال تصعيد اهتمامها بإفريقيا إلى تعويض تأخرها في الانخراط مع القارة، فمنذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من ثلاثة عقود، لم يقم أي رئيس أوكراني أو وزير خارجية بزيارة للقارة حتى عام 2022.
كما تسعى كييف إلى منافسة النفوذ الروسي المتنامي في إفريقيا، وتحاول الحد من تأثيراته في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية فيها، عبر دعم الجماعات المسلحة المناوئة للأنظمة المدعومة من موسكو، مثل النظام العسكري في مالي.
ويتمثل هدف أوكرانيا الرئيسي في زيادة الدعم الدبلوماسي لها في المحافل الدولية، حيث تشكّل إفريقيا أكبر تكتل دولي في الأمم المتحدة بواقع 54 دولة عضو في المنظمة الدولية.
ولذلك تسعى كييف إلى تعزيز هذا الدعم الدبلوماسي، بغض النظر عن أهمية هذه الدول أو ثقلها الدولي، خاصة أن بعض الدول الإفريقية أبدت بعض الدعم لها منذ بداية الحرب الروسية عليها،
ففي التصويت الأول للجمعية العامة للأمم المتحدة في آذار 2022 الداعي لإنهاء الحرب على أوكرانيا، صوّتت 28 دولة أفريقية لصالح القرار، وعارضته دولة واحدة، وامتنعت 17 دولة عن التصويت، وغابت 8 دول عن المشاركة.
سباق غير متكافئ
يشكك المراقبون في قدرة أوكرانيا على منافسة روسيا التي تمتلك نفوذاً كبيراً في إفريقيا على كافة الصعد، فعلى الصعيد الدبلوماسي تتواجد السفارات الروسية في 43 دولة إفريقية، في حين تسعى أوكرانيا إلى رفع عدد سفاراتها من 11 إلى 21 سفارة فقط.
وعلى الصعيد العسكري أسست روسيا “الفيلق الإفريقي” كبديل لمليشيا فاغنر، ويضم حوالي خمسين ألف مقاتل منتشرين في ليبيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى، كما نجحت في إبرام اتفاقيات عسكرية مع دول عديدة لتزويدها بالسلاح، بذريعة مكافحة الإرهاب.
وحسب دراسة صادرة عن البرلمان الأوروبي، فقد أبرمت روسيا اتفاقيات عسكرية مع 43 دولة إفريقية بين عامي 2015 و2022، وساهمت هذه الاتفاقيات في جعلها المورد الرئيسي للأسلحة إلى القارة، حيث شكلت صادراتها من السلاح نحو 40% من واردات إفريقيا من أنظمة الأسلحة الرئيسية خلال هذه الفترة.
ورغم أن أوكرانيا حققت بعض النجاح في مواجهة فاغنر في مالي، بقي تأثيرها العسكري محدوداً كونها تفتقر لرؤية استراتيجية شاملة في إفريقيا، ولآليات تنفيذها.
وعلى الصعيد الاقتصادي، لم تحقق أوكرانيا تأثيراً يذكر في مجال الاستثمارات الاقتصادية في إفريقيا، رغم أنها نجحت في تصدير الحبوب إلى بعض دولها مثل السودان ونيجيريا وإثيوبيا، وهو ما اعترف به وزير خارجيتها الذي قال إن أوكرانيا حققت “عائداً منخفضاً للغاية” من استثماراتها في القارة الإفريقية.
بينما دخلت روسيا بقوة إلى هذا المجال، وقامت بتزويد العديد من الدول الإفريقية بالقمح مجاناً. وتعهّد بوتين خلال القمة الروسية الإفريقية، بشحن الحبوب مجاناً إلى زيمبابوي وبوركينا فاسو ومالي وإريتريا وإفريقيا الوسطى والصومال.