لكل السوريين

قائد الجيش يستولي على السلطة في السودان.. ومظاهرات مليونية تتصدى له

تقرير/ محمد الصالح   

قبل أسابيع قليلة من الموعد المقرر لاستبدال رئيس المجلس السيادي، بآخر مدني من أعضاء المجلس، استولى قائد الجيش على السلطة في السودان، مما أدخل السودان بأزمة غير مسبوقة، وعرّض القادة العسكريين إلى ضغوط داخلية ودولية حذرتها من المساس بالإدارة المدنية التي تشرف على عملية الانتقال الديمقراطي.

ورغم تزايد الضغوط الدولية، وتصعيد الاحتجاجات المحلية، يشكك مراقبون في أن تتمكن هذه الضغوط والاحتجاجات من دفع القادة العسكريين في الخرطوم، إلى التراجع عما قاموا به، وإعادة الحكومة المدنية للعمل، ويعتبرون أن الجيش تمكن من فرض الأمر الواقع في البلاد مدعوماً من بعض دول الجوار.

بينما يرى مراقبون آخرون أن الأوان لم يفت بعد لإعادة السلطة للمدنيين، ويعتقدون أنه يمكن لهذه الاحتجاجات، إذا استمرت وتصاعدت، وللضغوط الدولية المنسقة أن تجبر الجنرالات على التراجع، أو تقديم تنازلات تعيد الاستقرار إلى البلاد، بالحد الأدنى، خاصة أن الشارع السوداني أثبت قدرته على التعامل مع تصاعد موجات العنف الأيام الماضية التي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من المواطنين، وما زال يصّر على أنه لن يتخلى عن مطلب الوصول إلى الحكم المدني الديمقراطي.

ردود فعل دولية

توالت ردود الفعل المنددة باستيلاء العسكر على السلطة في الخرطوم، ودعا الرئيس الأميركي “الانقلابيين في السودان إلى إعادة السلطة إلى الحكومة المدنية في البلاد”، وأكد أن الولايات المتحدة ستستمر “بالوقوف إلى جانب الشعب السوداني ونضاله اللاعنفي”.

ووجه بايدن، رسالة إلى الكونغرس طلب فيها تمديد حالة الطوارئ المتعلقة بالسودان،

وقال في رسالته إن السودان قطع خطوات واسعة في انتقاله نحو الديمقراطية منذ عام 2019، لكن “استيلاء الجيش على الحكومة واعتقال القادة المدنيين الآن يهدد تلك المكاسب الإيجابية”.

وطلب من الكونغرس إبقاء حالة الطوارئ سارية المفعول إلى ما بعد الثالث من هذا الشهر.

وبدوره أعلن وزير الخارجية الأمريكية رفض بلاده لما أسماه “إجراءات الجيش السوداني ضد الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون”.

كما اعتبرت الحكومة البريطانية أن “الانقلاب في السودان خيانة غير مقبولة للشعب السوداني وانتقاله الديمقراطي”.

وفي فرنسا، أكد الرئيس إيمانويل ماكرون، أن فرنسا تدين بأشد العبارات الانقلاب في السودان، وقال عبر حسابه على تويتر، “أعبر عن دعمي للحكومة الانتقالية السودانية وأدعو إلى الإفراج الفوري واحترام نزاهة رئيس الوزراء والقادة المدنيين”.

كما هدد الاتحاد الأوروبي بتعليق مساعدته المالية للسودان في حال لم يعد العسكريون السلطة إلى الحكومة المدنية فورا.

الردة مستحيلة

تحت شعارات “الردة مستحيلة” و”الجيش للسودان وليس للبرهان” و”المدنية خيارنا”، انطلقت المظاهرات في الخرطوم وفي عدة مدن سودانية، بعد ظهر يوم السبت، استجابة لدعوة قوى مدنية وسياسية، ورفضاً لانقلاب قائد الجيش السوداني، وحل الحكومة ومجلس السيادة واعتقال عدد من السياسيين والمسؤولين.

وبحسب التقارير انطلقت المسيرات الحاشدة في مناطق عدة من بينها ضواحي أم درمان في شمال غرب الخرطوم، وحرص المنظمون على عدم تجمع المتظاهرين في مكان واحد.

وتركزت مطالب المتظاهرين الرئيسية على إقصاء البرهان عن مقاليد السلطة، وإعادة رئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك إلى منصبه بكامل صلاحياته.

فيما فرضت قوات الأمن المشتركة من الجيش والشرطة والدعم السريع طوقاً أمنياً حول القصر الرئاسي ومقر مجلس الوزراء، وأغلقت الجسور التي تربط بين مدن الخرطوم الثلاثة، وقطعت الاتصالات والإنترنت عن العاصمة.

واستخدمت الغاز المسيل للدموع وإطلاق النار لتفريق حشد كبير في الخرطوم بعد أن حاول المحتجون الاعتصام في المكان.

وحسب لجنة أطباء السودان المركزية، سقط ثلاثة قتلى في مدينة أم درمان، وعشرات الجرحى في مناطق متفرقة.

وكانت معظم القوى المدنية والنقابات المهنية قد أعلنت العصيان المدني فور تنقيذ البرهان لانقلابه، وتم إغلاق المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والشركات والأسواق، مما حوّل الخرطوم إلى مدينة شبه مهجورة منذ وقوع الانقلاب.

رهانات الجنرال

استبق قائد الجيش السوداني مظاهرات السبت، بطرح اسم رئيس الوزراء المقال عبدالله حمدوك ليشكل حكومة جديدة، وتعهد البرهان بإكمال هياكل السلطة الانتقالية في أقرب وقت.

وشدد على أن هياكل السلطة “ستضم ممثلين من كافة الولايات دون انتماءات حزبية أو جهوية أو قبلية، يكون القاسم المشترك بينهم هو خدمة الوطن”.

في خطوة يحاول الجنرال من خلالها تحقيق أكثر من هدف في وقت واحد.

حيث يشكل هذا الطرح استجابة لمطالب المجتمع الدولي الذي يتمسك بعودة حكومة انتقالية يقودها مدنيون، وليس الحكومة السابقة بالضرورة.

ومن ناحية أخرى يتقرب من القوى الشبابية التي تومن بأهمية الدور الذي لعبه حمدوك في المرحلة الانتقالية باعتباره طرفاً توافقياً، ومحسوباً على الثورة.

ومن الناحية الأهم قد يضمن له هذا الطرح الاستمرار على رأس السلطة إلى حين إجراء الانتخابات في تموز عام 2023.

وإن تم له ذلك يكون قد نجح في الإمساك بزمام المرحلة الانتقالية، بعيداً عن الأحزاب والقوى السياسية التي يعتبرها تهديداً له.